نوعية الطعام
لا يكفي أن يكون الطعام
طبيعي كي يهضمه الإنسان، ولكن الإنسان لا يأكل جميع أنواع النباتات. هناك
نبتات قد تكون سامة لا تصلح للإنسان، بل تصلح لحيوانات أخرى. في علوم
الفيدا وخاصة في ما يعرف بالأيورفيدا، هناك قسم خاص يعنى بالنباتات
ومنافعها. تقول علوم الفيدا، أن معرفة جميع النباتات قد أتت من إدراك
الحكماء القديسين الرائين الذين أنزلت عليه طاقة التعرف على النباتات،
وأعطوا هذه المعرفة إلى جميع الناس وتم تناقلها مع حضارات الشعوب وعبر
الأجيال. وأيضاً في علوم الزراعة الفيدية، تم وضع أسس الزرع والحصاد، وأسس
حفظ الحبوب والمزروعات الأخرى عبر الفصول. تتضمن هذه الأسس أوقات الزرع
وأوقات القطاف وكيفية الاعتناء بالمزروعات، وطرق الطهي وصنع مؤن الطعام
التي تحضّر وتحفظ كي تأكل في الفصول الأخرى. ليس هذا فحسب بل تشرح علوم
الفيدا أن لكل كائن خلقه الله روح، وتشرح أن على الإنسان أن يأكل ما هو أقل
تعقيداً من حيث التكوين. على الإنسان أن يأكل الثمر ولا يأكل الشجر الذي
يثمر. إن الثمر أقل تعقيداً في تكوينه وبالتالي لا يوجد فيه روحاً تحمل
الانطباعات. ويعود ذلك أن الطعام الذي يأكله الإنسان ينقل إليه ما يحمل من
انطباعات نفسية، تتجمع الانطباعات النفسية في الشجرة، ولكن الانطباعات لا
تتجمع في الثمر الذي يحمل البزر. إذا أكل الإنسان ما يحمل الانطباعات، ينقل
هذه الانطباعات إلى نفسه، ما يزيد في نفسه الانطباعات التي عليه التخلص
منها من أجل خلاص النفس وتحرر الروح. إن مبدأ عدم أكل اللحوم هو من أجل
الامتناع عن إدخال الانطباعات النفسية عند الحيوان ودمجها مع انطباعات
الإنسان. وأيضاً بالنسبة للشعوب التي تقتات من اللحوم، فهي لا تأكل جميع
أنواع اللحوم، إن الحيوانات التي تقتات من النبات هي التي يحلل ذبحها
للأكل، أما الحيوانات الأخرى فلا تأكل. من ناحية أخرى يقول بعض الباحثين
الذين لا يدعموا مبدأ أكل اللحوم بأن الجهاز الهضمي البشري مكون من أجل هضم
النباتات، و لا يستطيع هضم اللحوم خلال مراحل الهضم السبع، فيبقى فيه
ترسبات غير محللة من هذه اللحوم، وتتغلغل هذه الترسبات في أوعية الجسم
وتتعايش في الخلايا، وتأثر على وعي وانطباعات وذكاء الفرد. تشرح العلوم
الفيدية أن أكل اللحوم لا يجب أن يكون بشكل يومي ومعتاد، بل يستخدم في بعض
حالات المرض، كما يستخدم من قبل الجنود خلال الحرب كي تزداد شراستهم في
القتال. في تقاليد عدد من الحضارات القديمة، لا تؤكل اللحوم إلى بعد
تقديمها كذبيحة لله.
في الحديث عن نوعية الطعام،
علينا أن نشرح عن أهمية كيفية الطهي. على مكونات الطعام أن تكون طازجة
ومنتعشة، لا نأكل الخضار الذابلة، وعلى الأكل أن يحضر قبل وجبة الطعام
مباشرة، لا نأكل الطعام المطبوخ في اليوم السابق، وعلى الطاهي أن يكون فكره
صافياً عندما يحضر الطعام، وأن يشكر الله على نعمته قبل التحضير وخلاله،
فيكون الطعام مباركاً. عندما نأكل علينا أيضاً أن نشكر الله على نعمته، وأن
نأكل ونحن في وضع الجلوس وفي حالة من الراحة، وفي جو مريح وهادئ. وأيضاً
لكمية الطعام أهمية كبيرة، فلا نأكل إلى حد الامتلاء، تحتاج المعدة إلى أن
يبقى ثلثها فارغاً كي تستطيع هضم الطعام. إن كل هذه الأمور لها التأثير
الإيجابي على عقل الإنسان فيشعر العقل بالراحة والطمأنينة، وينعكس ذلك بشكل
إيجابي على الجسم والنفس. مخارج الجسم
تكمن أهمية مخارج الجسم في
التخلص من البقايا التي على الجسم التخلص منها. وهنا نعود إلى الجهاز
الهضمي الذي يدخل إليه الطعام من الفم، فيهضمه، وفي النهاية، وبعد امتصاص
الغذاء يخرجه من الجسم. علينا الاهتمام في وظيفة الجهاز الهضمي كي تبقى
سليمة ويستطيع الجسم أن يتخلص من جميع البقايا. قد يتعرض الجسم إلى عوامل
وتأثيرات خارجية تعيق عملية الهضم، فتتراكم بقايا الطعام في الجسم وتتخمر
وتتحول إلى سموم تعطي تأثيراً سلبياً على العقل وتجعله خاملاً. وهذا ما
يعيق التطور الفردي، لذلك وضعت علوم الفيدا أسس لتنظيف الجسم من الداخل،
وأهم المبادئ المعتمدة هو الصيام. ونجد في جميع الديانات، أنها تفرض على
المؤمن الصيام عن الطعام لفترة طويلة في كل سنة. إن هذا الصيام هو من أجل
تنقية الجسم الداخلي، ما يؤدي في معظم الأحيان إلى اختبارات روحية عند
المؤمن الصائم. تزيد هذه الاختبارات الروحية في سرعة تطوّر الإنسان، فتعطيه
الصفاء والثبات العقلي والراحة النفسية.
إضافة إلى الصوم عن الأكل،
تتضمن علوم الفيدا، وخاصة علم الأيورفيدا، عمليات لتنظيف الجسم وتعرف باسم:
"بانشاكرما" أي ما معناه باللغة العربية "الطرق الخمس" لتنظيف الجسم وهي
تنظيف جهاز التنفس والجهاز الهضمي، وتنظيف خلايا الجلد، وتنظيف الدم،
وتنظيف العضلات والمفاصل.
التأثيرات الأخرى
بالرغم من أن الجسم يتعامل
مع العالم الخارجي من خلال البوابات التسع، إلا أن هناك تأثيرات أخرى غير
مرئية للإنسان. وهذه التأثيرات هي علاقته مع كل ما حوله في هذا الكون. كما
يتحسس الإنسان حرارة الطقس من خلال الجلد ويتأثر بها، وكما يتأثر الإنسان
باتجاهات البيت الذي يسكنه وغيرها من الأمور المحيطة به، إلا أنه يتأثر
كذلك بالأجسام الكبيرة في السماء، إن للكواكب التأثير الفاعل في حياة
الإنسان. ومن هنا كانت العلوم الفلكية القديمة والحديثة. في العلوم الفيدية
هناك جزء متخصص للعلوم الفلكية، وقد تم وضع الأسس لهذه العلوم منذ آلاف
السنين، قبل وجود الآلات المعقدة الحديثة التي تعمل بواسطة الحاسوب والتي
تقيس اتجاهات الكواكب وسرعة دورانها وسرعة مسارها وبعدها عن الأرض وعن
الكواكب الأخرى. في العلوم الفلكية الفيدية التي تسمى "جيوتش"، والتي تم
وضعها من قبل حكماء الفيدا الرائين، ومنذ آلاف السنين. أدرك حكماء الفيدا
التأثيرات الفلكية، واستطاعوا معرفة تأثيرات الكواكب السبع، لا بل تكلموا
عن تسعة كواكب، في الزمن الذي لم يكن معروفاً سوى سبعة كواكب، أما الكوكبان
الآخران فقد تم اكتشافهما في عصرنا هذا، وبسبب عدم معرفة هذين الكوكبين
أعطوهما اسمان هما راهو وكيتو، ووصفوهما بأنها رأس التنين الفلكي وزيله.
يشرح علم الفلك الفيدي التفاصيل عن كل من الكواكب، ويعطي وصفاً دقيقاً
للتأثيرات التي قد يبثها كل كوكب، وتأثيرها على الإنسان. يتم تقدير ذلك من
خلال عمليتين حسابيتين أساسيتين هما: 1) احتساب مواقع الكوكب عند الأفق في
لحظة الولادة، و2) دراسة حركة الكواكب اليومية. تعتمد علوم الفلك الفيدي
على نقطة ثابتة في حياة الإنسان للتعرف على مسار حياته كلها. وهذه النقطة
الثابتة هي ساعة الولادة ومكان الولادة. ومن هذه المعلومة، يتم احتساب حركة
الفلك للتعرف على وضعية الكواكب عند الأفق في لحظة ولادة الإنسان، وبالتعرف
على هذه الكواكب وتأثيراتها على بعضها البعض وتأثيرها على الإنسان، يستطيع
عالم الفلك الفيدي من معرفة الشخصية الكاملة للمولود. أما ومع متابعة سير
الكواكب يومياً في السماء، ودراسة تأثيراتها على الإنسان، فيستطيع عالم
الفلك الفيدي معرفة مسار حياة الإنسان بشكل تفصيلي ودقيق. هذا هو باختصار
ما يقدمه علم الفلك للإنسان. تكمن أهمية التعرّف على مسار حياة الإنسان في
الوقاية التي على الإنسان أن يتبعها عند معرفة المخاطر المستقبلية، وهذا ما
تشرحه علوم الفيدا أيضاً. هناك الكثير من وسائل الوقاية التي من الممكن
اعتمادها، منها تغيير السلوك، أو تغيير المكان أو القيام بأفعال معينة منها
عمل الخير ومساعدة الآخرين، وغيرها من أعمال الأضاحي والتقشف والصوم والنذر
والإقامة من الأماكن المقدسة وقراءة الكتب المقدسة وكتابة التعاويذ، وتحضير
الأحجبة والتحلي بأحجار كريمة معينة وغيرها مما كان أجدادنا يعرفون أكثر
منا. في الفيدا تسمى هذه الأعمال "يغيا" وتعني كلمة يغيا حرفياً الأضحى. أي
ما يضحي به الإنسان للتكفير عن ذنوبه أمام الله، راجياً الله أن يغفر له.
إن الله هو المنظم لكل شيء في الوجود. في القيام بأعمال اليغيا، يقوم علماء
الفيدا بتلاوة الترانيم والتسبيح من أجل إحداث تأثيرات إيجابية توجه إلى
أحد الكواكب الذي يعطي التأثيرات السلبية على الإنسان في فترة معينة، وبذلك
تنخفض نسبة التأثيرات السلبية من الكوكب المعيين على الإنسان في ذلك الوقت.
مثالاً على ذلك: في وقت الظهر عندما تكون الشمس محرقة في السماء، يمكن
للإنسان أن يتظلل بمظلة تحميه من حرارة الشمس المحرقة. من المهم أن يعرف
الإنسان مسبقاً أنه قد يتعرض لتأثيرات سلبية في فترة معينة قادمة، ويهيئ
نفسه للحماية منها. هذا ما يقدمه علم الفلك الفيدي.
تفاعل الجسم مع التأثيرات
إن كل ما يلتقطه الجسم من
ما يدخل إليه بواسطة البوابات التسع، أو ما يتأثر به من البيئة والمجتمع
الذي يعيش فيه أو ما يتأثر به من التأثيرات الفلكية، إن كل هذه الأمور
تتفاعل على مستوى الفرد وتأثر على سلوكه وتصرفاته. يصبح الفرد مقيداً بما
تأثر به، إذا كانت هذه التأثيرات إيجابية فيتأثر بها العقل ويعمل بشكل
إيجابي، أما إذا كانت التأثيرات سلبية فيتأثر بها العقل أيضاً ويعمل بشكل
سلبي. إن ما يقوم به العقل من أفعال تنعكس على الإنسان وتحدث انطباعات في
نفسه. لهذا السبب على الإنسان أن يكون حريصاً على أن لا يعرض نفسه
للانطباعات السيئة والخاطئة التي تزيد انغماسها في المادة، وتزيد في قيود
الروح وتمنعها من التحرر. |