الجسم البشري الجزء الثاني
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
الجسم البشري الجزء الأول
الجسم البشري الجزء الثاني
الجسم البشري الجزء الثالث
الجسم البشري الجزء الرابع

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

الأشكال والألوان

من السمع إلى البصر. أن ما تدركه أعيننا هو شكل الموجودات حولنا. هناك مبدأ قديم يقول أن الجمال هو في توازن وتناظر الشكل. إن الشكل المتناظر هو الذي يرسم شكل التناظر الإلهي. في علوم الفيزياء تعتبر نظرية التناظر وانكسار التناظر من أسباب ظهور الخليقة. إذا تأملنا في الطبيعة نرى أن التناظر والتساوي هي في غالبية أشكال الطبيعة. لنأخذ على صعيد المثال؛ بذرة من البذور، نجدها في غالبيتها تنقسم إلى شقين، والشقان متساويان. وكأن هناك شقاً موجباً وشقاً سالباً، أو شقٌ مذكر وشقٌ مؤنث. وكأن الأشكال تتطابق في تكوينها كي تعكس صورة الله، الذي يضم في خلوده غير الظاهر الناحيتين لبروشا المذكر وبراكريتي المؤنث. هذه هي أسس التكوين الشكلي. أما في الأشكال الهندسية فكل الأشكال تنبع من الشكل المطلق، الذي لا شكل له، ومن أحادية المطلق تأتي ثلاثية المثلث والدائرة والمربع. ومن هذه الأشكال الثلاثة تتكون جميع الأشكال الممكنة. يرمز المثلث إلى الانطلاق أي عنصر الريشي في ثلاثية الفيدا، والدائرة إلى التفاعل أي عنصر الديفاتا في ثلاثية الفيدا، والمربع إلى القاعدة أي الركيزة أي عنصر التشاندس في ثلاثية الفيدا. لقد أدرك حكماء الفيدا الأشكال الثلاثة، في وعيهم، ومنها رسموا الأيقونات والعلامات والزخارف، وكان منها ما يرمز إلى القوة والطاقة والبحبوحة والصحة والسعادة الرقي والتطوّر الروحاني وغير ذالك من التأثيرات. يشرح علم الفيدا أن الإنسان الذي ينظر إلى هذه الأشكال بشكل متكرر يؤدي ذلك إلى تنظيم طاقاته العقلية، فيعطيه ذلك راحة فكرية تساعد العقل على تنظيم الجهاز العصبي الأمر الذي يؤدي إلى تنظيم وظائف الجسم، وبالتالي يصبح الجسم منيعاً من التأثير الخارجية المسببة للمرض.

لقد طور علماء الفيدا، في فن رسم الأشكال، وعكسوا ذلك على مواقع سكنهم، فكانت الأبنية التي يسكنوها مشيدة طبقاً لنظام هندسي صارم، مبني على قواعد تحديد الموقع والاتجاه والمقاييس. وقد تم تسمية هذا العلم ستهاباتيا فيدا، أي فن التصاميم الفيدية. من أهم مبادئ البناء هو أن يكون المنزل مبنياً بالتوافق مع طاقة الطبيعة. لذلك كان الاهتمام أولاً بالأرض وموقعها وما يحيط بها من مواقع طبيعية كالأنهار والشواطئ والجبال، ومن انحدارها وشكلها بالانسجام مع الاتجاهات الأربعة، الشمال والجنوب والشرق والغرب، والشكل الهندسي للأرض، والحديقة الخارجية، وبرك المياه، وموقع المدخل الرئيسي للبيت، وأيضاً التقسيمات الداخلية، إضافة إلى كيفية ترتيب المفروشات في داخل الغرف. كل هذا هو ضمن ما يعرف بعلم الستهاباتيا فيدا. من أهم مبادئ علم الفيدا أن على الإنسان أن يبني بيئته بشكل منتظم يسمح له أن يبقى مدركاً دوماً للاتجاهات الأربعة.

لم يقتصر الوضع على الشكل بل أيضاً للألوان أهمية، في الفيدا القديمة هناك ثلاثة ألوان أساسية وهي الأزرق ويرمز إلى الريشي، والأحمر ويرمز إلى الديفاتا والأخضر ويرمز إلى التشاندس. هذه الألوان الثلاثة هي التي تم اكتشافها في العصر الحديث على أنها أساس كل الألوان الأخرى. تقول الفيدا أيضاً أن ألوان قوس القزح، هي الألوان الطبيعية الداعمة للتطور. ولكل يوم من أيام الأسبوع له اللون الخاص به، ويرتبط ذلك مع الكواكب. في العلم الفيدي، إن يوم الأحد هو يوم الشمس، ولونه الذهبي، وباللغة اللاتينية، أو الإنكليزية، يسمون يوم الأحد يوم الشمس، "صاندي". ويوم الاثنين هو يوم القمر ولونه الأبيض، وباللغة اللاتينية أسم يوم الاثنين هو أيضاً يعني يوم القمر "لاندي"، وبنفس المعنى هو في الفرنسية والانكليزية. يوم الثلاثاء هو يوم المريخ ولونه الأحمر، وباللغة اللاتينية اسمه "ماردي" ويعني يوم المريخ يوم مارس. يوم الأربعاء هو يوم عطارد ولونه الأزرق، وباللغة اللاتينية اسمه "مركرودي" ويعني يوم عطارد، يوم مركور. يوم الخميس هو يوم المشتري ولونه الأصفر، وباللغة اللاتينية اسمه "جودي" ويعني يوم المشتري يوم جوبيتر. يوم الجمعة هو يوم الزهرة ولونه الزهري، وباللغة اللاتينية اسمه "فندرودي" ويعني يوم الزهرة يوم فنيس. أما يوم السبت هو يوم زحل ولونه الأزرق الغامق، وباللغة اللاتينية اسمه "ساتيردي" ويعني يوم زحل يوم ساتيرن.

مع معرفة كل هذه الألوان والأشكال نستطيع أن نفهم أهمية ما ننظر حولنا، وننظر فقط لما هو مريح للنظر والعقل والنفس. تظهر العلوم الحديثة الآن تأثيرات الألوان والأشكال على الحالة النفسية للإنسان.
إن موضوع النظر ليس حصراً على الأشكال والألوان فقط، بل يتعدى ذلك إلى ما تسببه الأشكال والألوان التي ننظر إليها، وهنا لا بد أن ندخل في موضوع التستر في الملبس. على الإنسان أن يتحلى بالتقوى كي يستطيع أن يتخلص من شهوات البصر. إذا نظر رجل امرأة، وكان تقياً، لا يشعر بأي شهوة تجاهها، مهما كان نوع الملابس التي ترديها، أما إذا لم يكن الرجل تقياً، وحتى إذا كانت المرأة محجبة إلى أقصى الحدود، وبمجرد أن يرى لها طرف رجلها قد يثير ذلك فيه الشهوة. إن موضوع ارتداء الحجاب أو عدمه هو ليس ما يمنع الشهوة عند الرجل الجاهل الذي لا يتحلى بالتقوى. على الحجاب أن يكون في عقل الجاهل بدلاً من أن نكفن به نسائنا وهم أحياء.

وما ذكرناه عن واقعنا الحالي فيما يتعلق بالسمع، ينطبق تماماً على واقعنا في البصر، وكل ما نراه من الأشكال الهندسية للأبنية والأرصفة والشوارع الكثيرة التعرج التي تفقد الإنسان إدراكه الدائم للاتجاهات الأربعة، إضافة إلى ما قد نشاهده على التلفاز ذو المحطات والفضائيات المتعددة من كل لون وجنس. إن كل هذا ليس إلا دعوة لا تحتاج إلى أدنى إلحاح لتجعل الإنسان الذي يبحث عن تطوّره الذاتي يبتعد عن كل هذا الصخب من الفوضى، ويتجه ليرسم لوحة حياته ويتعمق في التأمل فيها.

التنفس والروائح

بعد الشرح عن الأذنين والعينتين يكون الشرح عن فتحتي الأنف. تدخل الروائح مع النفس ويتحسسها الأنف. إن حاسة الشم هي آخر الحواس في الظهور، فهي مرتبطة بالعنصر الترابي. إذا استعرضنا العناصر الخمس نجد أن جميعها لا رائحة لها باستثناء التراب، لا في الأثير ولا في الهواء ولا في النار ولا في الماء. لقد أثبتت الدراسات العلمية أن للعطور تأثيرات مختلفة على الإنسان. وهناك استخدامات للعطور كوسائل علاجية. لقد استخدم الإنسان مختلف أنواع العطور منذ القدم. في الحضارات القديمة كانوا يقدمون العطور في الأضاحي وتكريماً لله والكائنات النورانية. تأتي الروائح الطيبة من النظافة. أما الروائح العفنة والكريهة فهي نتيجة لتفاعل وتخمر البقايا والأوساخ. من هذا المنطلق يدخل موضوع الحفاظ على الروائح الطيبة في موضوع كيفية تلف البقايا والأوساخ والنفايات. إذا عدنا إلى حلقات الطبيعة نرى أن الكائن البشري ليس منعزلاً في الوجود، أنه يعيش مع فصائل أخرى من المخلوقات الحية، والنبات والجماد أيضاً. إن الدور الأساسي للمخلوقات الأخرى هو في إكمال حلقة الطبيعة. وبإكمال حلقة الطبيعة، تذهب الفضلات وتدور في حلقة الطبيعية من الإنسان إلى الحيوان ومن الحيوانات إلى التراب. تتحل الفضلات في التراب ويستفيد منها الزرع.

هناك مبدأ معروف في الحضارات القديمة أن النار والماء هما أفضل مطهر. إضافة إلى دورة الطبيعة كانت بعض الحضارات القديمة تستخدم طريقة حرق الفضلات ودفنها في التراب، وكان البعض الآخر يرمي الفضلات في الأنهر أو البحر. لم تكن الفضلات مكونة من المواد الكيمائية أو المواد التي لا تتحلل في الطبيعة. وبالتالي لم تكن طريقة رمي الفضلات في الأنهر أو البحر تسبب التلوث، بل بالعكس كانت الأسماك تأكل هذه الفضلات. إضافة إلى موضوع النظافة للحفاظ على العبير المنعش في الطبيعة، لقد عمل الإنسان على زرع الأزهار والنباتات المعطرة من أجل التمتع بعبيرها المنعش. إن الرائحة المنعشة التي يشمها الإنسان، تحولها المشاعر إلى نوع من السرور الذي يحوله العقل إلى ذكاء. هذا الذكاء ينمي العقل ويعطيه الشعور بالفرح. ومع تطوّر العقل تنتظم وظائف الجسم.

أما في عصرنا هذا ومع الثورة الصناعية، واستخدامنا للمواد الكيماوية، يواجه الإنسان مشكلة كبير في التخلص من النفايات الصناعية، وخاصة النفايات المشعة. هذا وإضافة إلى الخلل البيئي الذي أحدثه الإنسان نتيجة صيد وقتل الحيوانات وقطع الأشجار التي تكمل دورة الطبيعة، ونتيجة لاستخدام المواد الكيمائية في بناء البيوت، وصناعة المفروشات والأثاث وأيضاً صناعة الثياب، نجد أنفسنا نعيش في بيئة مليئة بالروائح الضارة والملوثة والتي نعتاد على تنشقها دون الشعور بها، فتأثر على مزاجنا ونموّنا وتطورنا دون أن ندري.

إن أهمية الأنف لا تكمن في تنشق الهواء والروائح العطرة فقط، بل، وفي العلوم الفيدية، هناك تقنيات يستخدمها الإنسان تهدف إلى تنظيم التنفس بواسطة الأنف من أجل الوصول إلى التنور والإشراق. تعمل هذه التقنيات التي تسمى "براناياما" على تنشق الـ "برانا" من الهواء. تعني كلمة برانا الطاقة الحيوية في الطبيعة. يقوم الشخص الذي يمارس تقنيات البراناياما بعملية الشهيق والزفير بشكل منتظم وخاص ما يسمح لجهاز التنفس من امتصاص المستويات المرهفة من الهواء فتدخل إلى الشعيرات الدقيقة جداً في جهاز الشم إلى أن تصل إلى الدماغ الذي يحولها إلى طاقة ذكية تساعد العقل على التوازن والثبات، الأمر الذي يؤدي إلى تفتح الوعي الفردي، واختبار حالات أعلى من الوعي. إن هذا النوع من التقنيات يستوجب أن تتم مارستها في جو نظيف وهواء خال من التلوث.


Back السابق Home المدخل Up فوق Next التالي