التقمص في الديانات القديمة
في الديانات الشرقية القديمة يؤمنون في غالبيتهم بخلود الروح أيضاً، ويؤمنون بأن
الروح لا يمكنها أن تعود إلى الله إلا إذا كانت طاهرة ومطابقة تماماً لطهور الروح
الإلهية. وهكذا تبقى الروح في حلقة الولادة والحياة والموت، إلى أن تصبح الروح
طاهرة فتخرج من حلقة الولادة والحياة والموت وتدخل في البحر الإلهي وتذوب فيه. هذا
ما يسمونه بالتحرر الأبدي أي النرفانا في البوذية أو التنوّر في الهندوسية. وبالرغم
من أن بعض الكتب في الديانات الشرقية القديمة تتكلم عن اليوم الأخير، إلا أن
المفاهيم والممارسات في الديانات الشرقية في غالبيتها لا تعطي أهمية لهذه الحقيقة.
لذلك ومع الشعور بأن الإنسان سوف يولد من جديد، نرى عامة الشعوب الشرقية والمعتنقة
للديانات القديمة، تعيش حياتها بكثير من الخمول والإهمال وعدم المبالاة، فهي تشعر
أن ما لم تنجزه في حياتها الحالية تستطيع أن تنجزه في حياة لاحقة.
الروح في العلوم الفيدية
أما بالنسبة للعلوم الفيدية، وبالرغم من أن هذه العلوم هي الحكمة القديمة التي
تواجدت في جبال الهمالايا وحافظ عليها النساك المقيمين في تلك الجبال وتناقلوها من
جيل إلى جيل عبر التعليم الشخصي، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة وعشرون ألف
سنة، إلا أنه لا يوجد أي من الديانات الشرقية التي تعتمد على المعرفة الفيدية بشكل
صرف. بالنسبة لهذه العلوم، تشرح بأن الروح الفردية، "أتمآن" هي متصلة من ناحية
بالروح الإلهية "براهام" أي روح البرهمان، أي روح الله الكلي الوجود، ومن ناحية
أخرى هي متصلة بالنفس "جيفا" والتي هي بدورها متداخلة في الجسم.
تقول علوم الفيدا أن مستوى خبرة الروح في وجودها المادي هو الذي يحدد الجسد الذي
سوف تأخذه. فلنفترض أن روحاً تخرج لأول مرة من الروح الإلهية، وهذه الروح التي
تختبر الحياة المادية لأول مرة، هي روح ليس لها أية خبرة سابقة في الحياة المادية،
سوف يكون دخولها الأول في المادة فيه الكثير من الترقب والاستكشاف وقليل من
التفاعل. هذه الروح سوف تتجسد بالجسد الذي يسمح لها القيام بالترقب والاستكشاف مع
مقومات البقاء في الحياة دون الحاجة إلى التفاعل القوي بها. وعندما يضمحل الجسد
نتيجة لعوامل الطبيعة، تعود الروح ونفسها بما جمعته من اختبار في الحياة إلى حالة
غير مرئية، وبتفاعل النظام الإلهي، تتجسد الروح، ومعها النفس مرفقة بما جمعته من
قبل، في ولادة جديدة. ومع كل ولادة تكسب الروح خبرة جديدة، وفي كل مرة تتجسد الروح
بجسم متطور أكثر من قبل، إلى أن تصل إلى الجسم الأكثر تعقيداً والأكثر تطوراً وهو
جسم الإنسان في هذا العالم المادي. يقول أحد الحكماء الكبار في السلالة الفيدية،
أنه طبقاً للنظام الإلهي، تحتاج الروح لأكثر من أربعة ملايين حياة قبل أن تتجسد
بجسم إنسان، ولكن وبجسم إنسان، تستطيع الروح أن تصل إلى الخلاص الأبدي في حياة
واحدة. أما إذا لم تستطع الروح الوصول إلى الخلاص في حياة واحدة، فيكون ذلك خسارة
كبيرة جداً. ولكن الرحمة الإلهية تسمح للروح أن تكرر تجربتها فتبقى في الحلقة
الثلاثية للولادة والحياة والموت، إلى أن تصل إلى الخلاص الأبدي، عندئذ تعود وتتحد
في الروح الإلهية، روح البرهمان الكلية الغبطة.
القدر عند الفرد
في شرحنا لمسار الروح الفردية لا بد أن نتكلم عن القدر. كما يوجد للكون قدره الذي
أوجده، كما سبق وشرحنا، كذلك للروح الفردية قدرها الذي يتحكم بمصيرها. وهنا علينا
أن نعود إلى مبدأ الكارما، أي الفعل وردة الفعل.
مراحل الفعل
في شرحنا لمبدأ الكارما، علينا أن نفهم بالتحديد ما هو الفعل. يبدأ الفعل من
الفكرة، وبناء على الفكرة نقوم بالعمل، وبواسطة العمل نحقق انجازاتنا وبالإنجازات
نشعر بالاكتمال. هذه هي المراحل الأربعة للفعل. إن كل فكرة يفكّر بها الإنسان تعتبر
فعلاً قام به، وبالمبدأ القائل أن لكل فعل ردة فعل، سوف يتلقى الإنسان في محيطه ردة
فعل على ما فعله. حتى ولو أن الإنسان لم ينجز فكرته إلى نهايتها في الاكتمال، إلا
أنه قد فكّر بها، وبالتالي قام بالفعل، وسوف يرتد هذا الفعل إليه.
وفي عملية الظهور تتحول الأحادية الإلهية إلى تعددية متنوعة، وينال كل عنصر من
عناصر التعددية، فرديته الخاصة المتكاملة. وهكذا نرى أن وجود الفردية هو نتيجة
للفكرة الأولى للأحادية، والتي هي الرغبة في الظهور. إن الرغبة هي الدافع لكل شيء
في الوجود المادي. وطبقاً لنوعية الرغبة تكون النتيجة. بعد ظهور العناصر الأولى في
الوجود نتيجة للرغبة الإلهية، ترث هذه العناصر الأولى الرغبة الإلهية وتصبح هذه
العناصر مندفعة إلى الوجود من أجل تحقيق الرغبة الموروثة عن رغبة الله. فتصبح
الرغبة الموروثة هي الرغبة الفردية للوريث. وكما ورثت العناصر الأولى للوجود رغبة
الله، كذلك سوف تورثها إلى العناصر الفردية التي تأتي بعدها وعلى هذا المنوال سوف
تورث العناصر الفردية الرغبة الإلهية إلى كل من يأتي بعدها. وهكذا تتوارث الرغبة
الإلهية في كل مفردات الوجود، وهذا ما يظهر فيما يسمى الصراع على البقاء عند جميع
المخلوقات.
|