10- حقل كل الإمكانيات هو مصدر كل الحلول
قبل التكلم عن حلول لجميع المشاكل فلنعرف ماهية حقل كل الإمكانيات. لقد
برهن علم فيزياء الكم أن الحقل الموحد لكل قوانين الطبيعة هو أساس كل
الوجود المادي وهو حقل لكل الإمكانيات. إن الحقل الموحد هو حقل غير محدود
للطاقة والذكاء والمادة. نحن نعلم أن الذرة تتكون من إلكترونات وبروتونات.
وهذه الإلكترونات والبروتونات هي تأتي من التفاعل النووي للحقل الموحد ضمن
حقول الطاقة الأربعة التي هي الكهرومغناطيسي والتفاعل الضعيف والتفاعل
القوي والجاذبية، فيظهر الجزيء الأول للذرة الذي يسمى "الكورك". إن الكورك
ليس بعنصر مادي، بل هو تذبذب سريع للطاقة يبدو كمادة. إن مصدر التذبذب
السريع هذا، هو تذبذب أبطأ منه، ويمكنه أن ينخفض في التذبذب كي يصل إلى عدم
التذبذب ويهمد، ما تسميه علوم الفيزياء بحالة الهمود. وهكذا تبرهن علوم
فيزياء الكم أن الوجود المادي قد انبثق من حقل غير ظاهر من الطاقة. وهذا
يقارب كثيراً مع المعتقدات الدينية المختلفة التي تقول أن الله قد خلق
الكون من العدم أو الفراغ. أما الكورك فهو يعمل باتجاهين: سالب وموجب، ففي
الاتجاه السالب يعطي البروتون وفي الاتجاه الموجب يعطي الإلكترون، وفي حقل
التفاعل القوي الذي يحدث مع الانفجار الكبير المعروف بـ "بيغ بانغ" تتكون
أول ذرة في الوجود من عنصر واحد من البروتون وعنصر واحد من الإلكترون وهي
ذرة الهيدروجين الأولى، ومن ثم وفي برهة من الوقت لا تتعدى ومضة البصر،
يظهر كل هذا الكون غير المتناهي المترامي الأبعاد. وبعد عملية الظهور
مباشرةً يدخل الكون في مرحلة التمدد التي ترتكز على التغيير المستمر ضمن
حدود الزمان والمكان.
إن هذا التفاعل الهائل للحقل الموحد القادر على خلق الكون أجمع لا يمكن أن
يكون عاجزاً عن تصحيح أي خلل قد يحدث في أي جزء من جزئيات الكون، فهو ينظم
دوران المجرّات والكواكب وفي الوقت ذاته ينظم تفتح نبتة صغيرة في زاوية
البستان. لذلك علينا أن نصل إلى هذا الحقل ونستمد طاقته كي نستفيد منها في
حل جميع مشاكل حياتنا. إن هذا الحقل هو ليس إلا حقل الوعي الصافي الموجود
في داخلنا وليس علينا سوى أن نتجاوز أفكارنا ونختبر طاقته على مستوى منبع
الفكر في داخلنا الذي هو نقطة السكون لبداية النشاط الفكري.
11- الفكرة تقود إلى العمل، والعمل يقود إلى الإنجاز، والإنجاز إلى
الاكتمال.
إن كل عمل نقوم به هو مرتكز على التفكير، فنحن نفكّر ومن ثم نعمل، ونتيجة
لعملنا نحقق الإنجازات، وبتحقيق الإنجازات نشعر بالاكتمال. وكلما كانت
الفكرة بتصميم قوي، يكون العمل بفاعلية أكبر ما يؤدي إلى تحقيق إنجازات
أكثر، ينتج عنها اكتمال لا
محدود. عندما يكسب الإنسان، على مستوى جهازه العصبي، حالة من السكون
الديناميكي، يكسب المقدرة على التفكير بقوة لا محدودة والعمل بديناميكية لا
محدودة ما يؤدي إلى قمة الاكتمال.
تصنّف كل الأفكار التي يمكننا أن نفكر بها بنوعين من الأفكار: الأفكار
التطورية والأفكار الانفعالية. إن الأفكار التطورية هي تلك التي تقودنا إلى
التطور، ونحن نعلم أن الإنسان يتطور عندما يحقق رغباته ويلبي حاجاته، فهو
يشعر بالرضا والفرح والاكتمال والتطور. إن لنوعية الرغبات علاقة وثيقة
بمستوى الوعي عند الإنسان، وكلمنا تطورنا في وعينا، كلما كانت نوعية
رغباتنا منطقية أكثر وقابلة للتحقيق. هكذا ومن أجل أن نحقق الرغبات ونستمر
في التطور علينا أن ننمي وعينا إلى مستويات أرقى. إن تنمية الوعي تتطلب أن
نستمد القدر الأكبر من الوعي الصافي الموجود في داخل وذلك من خلال الوصول
إلى هذا الوعي الصافي بشكل يومي مستمر.
أما الأفكار الانفعالية فهي الناتجة عن انفعالاتنا مع المجتمع والبيئة
حولنا، وهي تؤدي إلى إزالة المعيقات من طريق تطورنا. للأفكار الانفعالية
علاقة وثيقة بكمية الإجهاد على مستوى الجهاز العصبي، فكلما كان الجهاز
العصبي ممتلئاً ب الإجهاد، كلما كانت انفعالاتنا سريعة وعشوائية. من هنا
نستنتج أهمية العمل الدءوب على إزالة الإجهاد من الجهاز العصبي كي تستطيع
التحكم بأعصابنا بشكل دائم دون السماح لفقدان سيطرتنا على أعصابنا والقيام
بأعمال غير مرغوب القيام بها نتيجة لكثرة الإجهاد المتغلغلة فينا. إن
انخفاض الإجهاد في الجهاز العصبي هو الحل الوحيد للتحلي بسلوك هادئ ومتوازن
وذكي. لقد برهنت الدراسات العلمية بأن الجهاز العصبي يصبح قادراً على
التخلص من الإجهاد العميقة المتغلغلة فيه عندما يصل إلى حالة من الهدوء
والراحة العميقة. وكي يصل الجهاز العصبي والجسم إلى حالة الراحة العميقة
يتوجب أن يصل العقل إلى حالة السكينة، ولا يمكن للعقل الوصول إلى حالة
السكينة إلا إذا توقف العقل عن الحركة وبالتالي تتوقف عملية النشاط الفكري.
إن أخد العقل الواعي إلى مستوى يتجاوز فيه أي نشاط فكري هو توجيه العقل إلى
مستوى السكون في داخلنا الذي هو الوعي الصافي وبيت جميع قوانين الطبيعة
التي تبيت فيه جميعها في حالة من الهمود التام. بذلك نكون قد ساهمنا في
تحقيق الاكتمال في حياتنا نتيجة لتطوير طاقتنا الفكرية التي تقود إلى العمل
الأفضل، والعمل الأفضل يحقق لنا الإنجازات الأفضل وبدرها تعطينا الشعور
بالاكتمال.
12- تكتسب المعرفة من الخارج والداخل.
إن الإنسان ميّال بشكل تلقائي إلى التعلم واكتساب المعرفة، والترقي إلى
أعلى مراتب العلم. العلم يبدأ عندما يصحو العارف طالباً للمعرفة، وهنا تبدأ
الثلاثية في العمل. العارف ووسيلة التعرّف والمعرفة. عندما نعلم أن للوجود
صفتين: الوجود الظهر والوجود غير الظاهر. وهكذا علينا أن نكسب معرفة الوجود
بشكله الشمولي الظاهر وغير الظاهر معاً. من أجل اكتساب معرفة الوجود غير
الظاهر علينا التوجه في الاتجاه الداخلي لمعرفة ذاتنا غير الظاهرة، أما من
أجل اكتساب معرفة الوجود الظاهر فعلينا التوجه في الاتجاه الخارجي لمعرفة
كل ما حولنا. ومن هنا نقول المعرفة نوعان: المعرفة الذاتية والمعرفة
الموضوعية.
إن المعرفة الذاتية هي التي تكشف الذات الداخلية. عندما يتفتّح العقل
الواعي على المستوى غير المحدود للذكاء في داخلنا، يصبح العقل قادراً على
الإدراك التام لجميع قوانين الطبيعة، وبادراك قوانين الطبيعة بالكامل نكون
قد أدركنا كل ما نحتاج أن ندركه كي نعيش حياة سعيدة خالية من المشاكل
والضعف والمعاناة. وبادراك هذا المستوى من المعرفة الذاتية المستوحية من
وعينا الداخلي غير المحدود، وإدراك قوانين الطبيعة، يدرك الإنسان حقيقة
الوجود، ويدرك منبع الذكاء ومجاله وغايته. أما المعرفة الموضوعية فهي معرفة
كل ما حولنا، وهي الطريقة التي يتبعها العلم الحديث. تتناول المعرفة
الموضوعية موضوع معين أو غرض معين، من مستواه السطحي وتتعمق فيه إلى الوصول
إلى أعمق مستوى منه، بهدف الوصول إلى مصدره الحقيقي، ومعرفة قوانين عمله.
لكن الأنظمة التربوية المعتمدة اليوم في كل أنحاء العالم، لا تسمح للباحث
في الوصول إلى المستويات الأعمق، لأنها تهدف إلى كشف الموضوع فقط، في حين
تهمل الباحث الذي يريد كشف الموضوع، وكذلك تهمل مقدرة التحسس عند الباحث.
لذلك، ومن أجل أن تتطور الأنظمة التربوية فهي تحتاج أن تكون قادرة على كشف
الموضوع وفي نفس الوقت قادرة على تطوير الباحث ومقدرة التحسس عنده. ومن أجل
أن يتطور الباحث وتتطور عنده مقدرة الإحساس كي يصبح قادراً على كشف كل
مستويات الموضوع وصولاً إلى مصدره المطلق، عليه أن يثبت عقله في الحقل غير
المحدود للذكاء في داخله. وبتطوّر كل من العارف ووسيلة التعرف والمعرفة،
وباكتمالهم معاً يكون الإنسان قد وصل إلى أعلى مراتب التطور وعندئذ تكون
المعرفة كاملة. |