طبقة العمال والخدم
إن طبقة العمال والخدم هم
الذين يعملون في خدمة الطبقات الثلاثة الأخرى، ويسمون بالـ "سودرا" وغالباً
ما يعملون مع طبقة التجار في أعمال الزراعة والصناعة. في العصور الفيدية
يفرض نظام المجتمع على طبقة العمال والخدم أن يتحلوا بالمهارة والتفاني
والإخلاص في العمل. فهم يخدمون الطبقة البرهمانية كي تستطيع هذه الطبقة أن
تلعب دورها الاجتماعي بشكل جيد، وهم أيضاً يخدمون الحكام كي تقوم هذه
الطبقة بدورها بشكل جيد في حماية المجتمع وتنظيمه، وهم أيضاً يخدمون التجار
كي يستطيعوا تأمين مصادر الثروة للمجتمع ككل. إن طبقة العمال والخدم هي
الأكثر استفادة عندما يكون المجتمع منتظماً. تمثل طبقة العمال غالبية الشعب
عادة، وهي تؤمن مصادر رزقها من الأعمال والخدمات التي تقدمها. لذلك من
الطبيعي أن تعمل طبقة العمال بكل جهد وكل نشاط. في العلوم الفيدية، يعتبر
العمال مسؤولية الطبقات الثلاثة الأخرى، فالحكماء يعلمونهم من أجل تحسين
مستوى أدائهم، والحكام يحمونهم من أجل تأمين الطمأنينة لهم، والتجار
يكرمونهم ويؤمنون لهم المسكن والملبس والمأكل كي يعملوا بجهد وإخلاص في
إنتاج المحاصيل. عندما يحصل العامل على كل حاجاته الحياتية بما في ذلك
المسكن والمأكل والملبس ويشعر بالطمأنينة، يوجه كل انتباهه على عمله،
وتزداد طاقته الإنتاجية.
حقوق العمال
إذا عندنا بالزمن بعض الشيء
إلى الوراء إلى العصور التي كانت تسمى بالإقطاعية. وندخل في تحليل طريقة
التعاطي مع العمال نجد أن صاحب الأرض أو رب العمل أو العمدة، كان لديه عدد
من العمال الذين يعملون في الاعتناء بالأراضي التي يملكها. كان هؤلاء
العمال يعيشون في الأرض التي يعتنون بها، ويأكلون منها ويؤمن لهم العمدة كل
ما يحتاجونه من ملبس وحاجيات أخرى. كان هؤلاء العمال يتزوجون وينجبون
الأطفال وهم في مكان العمل، وعندما يكبر أولادهم يعملون معهم في خدمة صاحب
الأرض، وقلما يغادرون الأرض أو يسافرون. تصبح هذه الأرض بالنسبة لهم المكان
الذي ولدوا فيه وعاشوا فيه ويموتون فيه. إن هذا النوع من النظام في العلاقة
بين رب العمل والعمال يعطي الطمأنينة للعامل الذي يشعر بأن كل حاجياته
مؤمنة. ولكن عندما اختل هذا النظام ولم يعد العمدة قادراً على تأدية واجبه
في الحياة ولم يعد يعامل العمال بشكل صحيح ثار العمال على العمدة واستولوا
على الأرض.
أما في عصرنا اليوم وفي النظام الديمقراطي الرأسمالي السائد، تضع الحكومة
الأنظمة التي ترعى حقوق العمال، ولكن العمال وفي أكثر الدول تقدماً لا
يشعرون بالطمأنينة، فهم يعملون تحت هاجس إنهاء خدماتهم دون إرادتهم.
ويراودهم بشكل دائم، الشعور بالقلق الدفين في وعيهم الباطني. تظهر التحاليل
النفسية للعمال في جميع أنحاء العالم بما فيها الدول المتقدمة بأنظمتها
الاجتماعية، أن العمال قلما يعملون بدافع الإخلاص والتفاني في خدمة غاية
العمل، بل هم يعملون بدافع تحصيل الرواتب والأجور التي تؤمن لهم معشيتهم.
حتى في العلوم الإدارية، وفي علوم سيكولوجيا الموظفين والعمال، يتم تصنيف
الراتب بالدافع الأول للعمل. يكمن السبب الحقيق لذلك في أن الإنسان لا يعرف
واجبه المقدّر له في الحياة "الدهرما" وسبب هذا الجهل هو عدم معرفة الإنسان
لقوانين الطبيعة، وخاصة فيما يتعلق بولادته وحياته وموته. ونتيجة لذلك،
يذهب عقل الإنسان إلى الغيرة والحسد من الذين هم في مرتبة أفضل منه. وتنشأ
عنده الرغبات الكبيرة التي لا يستطيع تحقيقها، والتي التي لم يولد ليحققها،
فتنعكس عليه بخيبة الأمل والشعور بالفشل، فيعيش حياته بالحزن وعدم الرضا.
وعلى هذا النحو، يضيّع الإنسان حياته دون الوصول إلى غاية وجوده في التنور
والإشراق. أما في حال وجود نظام عمل شمولي يفعّل جميع الدورات الإنتاجية
ويوزّع الطبقة العاملة في كل قرية على المراكز الإنتاجية، ويربطهم بعقد عمل
مدى الحياة يؤمن للعمال حاجاتهم الحياتية من مأكل ومشرب وملبس ضمن المستوى
المقبول، فيعطي ذلك الطمأنينة للعمال وفي المقابل يكون هذا النظام قد أزال
من رأس العامل إي قلق على حياته وحياة عائلته، الأمر الذي يدفع العامل
للعمل بإنتاجية أقصى. ومع دخول عنصر المعرفة والإيمان والإخلاص والقيم،
يسير العامل في عمله بطريق مستقيم، وفي نفس الوقت يتطور كي تخلص نفسه
وتتحرر روحه ويصل إلى حالة التنور والإشراق.
البطالة والأراضي القاحلة
تظهر الإحصائيات العلمية أن
نسبة البطالة ترتفع بشكل متزايد في جميع الدول. وتنكب الحكومات على إيجاد
السبل للتخلص من مشاكل البطالة. في الدول الأقل تطوراً لا يوجد حماية
للعمال العاطلين عن العمل، فيتخبطون في الفقر والبؤس والحياة المذلة.
وهؤلاء هم مصدر التوتر والإزعاج في كل مجتمع، فهم يقومون بأعمال السرقة
والتخريب انتقاماً لوضعهم البائس. ومن ناحية أخرى نجد أن هناك مساحات كبيرة
من الأراضي القاحلة لا يستفيد منها الإنسان، هذه الأراضي تتعطش لمن يرويها.
يوجد في كل بلد أراض قاحلة لا تستخدم لمنفعة الإنسان، ويوجد في كل بلد عمال
عاطلين عن العمل. ولكن على الحكومة أن تضع الأنظمة الصارمة التي تفرض على
أصحاب الأراضي استثمارها بشكل يفيد الاقتصاد الوطني. وبذلك تزداد الإنتاجية
الوطنية، وفي نفس الوقت يؤمن هؤلاء العمال العاطلين عن العمل مصدر رزقهم.
المفاهيم الخاطئة
نتيجة للجهل عند الإنسان
ونتيجة لعدم تطبيق الواجبات المقدرة لكل فرد، ضاعت المعاني الحقيقة لطبقات
المجتمع الأربع. وتم تفسير ذلك بأن الطبقة الأعلى هي التي تسود على الطبقة
الأدنى، فاختل التوازن وضاعت الأدوار الحقيقة لكل طبقة. وبتداخل الأدوار
ضاع الحق وضاعت العدالة بين البشر. لا يمكننا القول بأن هناك بلداً واحداً
من كل بلدان العالم يعتمد التقسيم الاجتماعي الصحيح، حتى في الهند التي هي
الأقرب من المعرفة الفيدية، فهي تعاني بشكل كبير نتيجة تمسك الشعب
بالمعتقدات القديمة التي تفرض عليها الطبقات الأربعة، التي يتم تفسيرها
بشكل غير صحيح. ونتيجة للجهل وضياع الأدوار الصحيحة لكل طبقة، ينعكس
التوزيع الطبقي بخلل كبير على المجتمع ككل، وقد تشعبت الطبقات الأربع
وتعددت، لا بل تم استحداث طبقة جديدة متدنية من خارج الطبقات الأربع، وهي
طبقة المنبوذين. ولا يزال المجتمع الهندي يعاني حتى عصرنا هذا من الخلل
الاجتماعي الطبقي.
مراحل الحياة الفردية
لا يمكن للفرد أن يتطور إلا
إذا استطاع أن يعيش في مجتمع متطور ومتنور، ولهذا السبب أتى مسلك النسك
والزهد. كان النساك يبتعدون عن المجتمع من أجل تحقيق تطورهم الفردي الذي لا
يستطيعون تحقيقه إذا كانوا يعيشون مع أفراد عائلتهم الذين لا يكون لهم
التطلعات ذاتها لمن يريد التنسك. أما ومع إعادة بناء الإنسان والمجتمع على
الأسس الوظيفية الأربعة بشكل سليم، يصبح من الممكن أن يستعيد الإنسان دوره
الصحيح ويتضح له واجبه المقدس ويصبح طريق التطور والتنور سهلاً ومنسجماً مع
واقع حياته وعمله. عندما ينتظم المجتمع تنتظم معه حياة الإنسان. في الفيدا
وأيضاً في قانون مانو تقسم حياة الإنسان إلى أربع مراحل وهي:
1) مرحلة التعلم فيها يلازم الولد الذكر معلمه من سن الطفولة إلى ما قبل
الزواج، فيتعلم منه التقنيات والعلوم الفيدية
2) مرحلة الزواج وإنجاب الأطفال، وهي من بداية الزواج إلى زواج الأولاد على
الأقل الولد الأول.
3) مرحلة التقاعد، وهي من بعد زواج الأولاد، فيذهب الرجل مع زوجته إلى
السكن في مكان بعيد عن منزل العائلة الذي يقيم فيه الأولاد، ويكون عادة في
الغابة وفي أماكن نائية.
4) مرحلة التنسك، وهي مرحلة اختيارية للرجال، إذ أن الزوجة تعود كي تعيش مع
أولادها عندما يذهب زوجها إلى التنسك. في هذه المرحلة يتجه الرجل بشكل محدد
في طريق التطور بهدف الوصول إلى التنور والإشراق.
بالرغم من أننا نعيش في عصر مغاير للعصور الفيدية، إلا أن حياة الإنسان
المعاصر يمكنها أن تقسّم إلى مراحل مشابهة لتقسيمات العصور الفيدية. عندما
تصل الحياة إلى هذا المستوى من الوضوح والاستقرار، وفي حال أتم الإنسان كل
مرحلة من مراحل حياته بشكل كامل يكون قد أكمل واجبه في هذه الدنيا، وبذلك
يصفى العقل وتخلص النفس من دناوتها وتعلقها بالأمور المادية وتتحرر الروح
من قيودها النفسية، فيعيش الإنسان حالة من التنور والإشراق. |