الإنسان والمجتمع الجزء الأول
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
الإنسان والمجتمع الجزء الأول
الإنسان والمجتمع الجزء الثاني
الإنسان والمجتمع الجزء الثالث
الإنسان والمجتمع الجزء الرابع

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

الإنسان والمجتمع

في حديثنا عن الجسم البشري وما قد يأتيه من تأثيرات خارجية، لا بد من أن ندخل في موضوع علاقة الإنسان مع الإنسان الآخر، فالإنسان لا يعيش منعزلاً بل هو يتفاعل مع كل من حوله. تفرض غريزة الوجود أن تعيش المخلوقات في جماعات نوعية وفئوية وعنصرية. تعيش الكائنات الحية كل حسب نوعها وفئتها، وتتواجد بشكل قطعان تسرح على وجه الأرض في الطبيعة. إن عدد أنواع المخلوقات لا يمكن أن يتم إحصائه في المكان والزمان، وهو دائم التغيير حسب العوامل الطبيعية والبيئية والمناخية. تعيش المخلوقات جميعها ضمن دورة طبيعية متكاملة تحافظ على التوازن الطبيعي. أما الجنس البشري فيختلف عن باقي المخلوقات الحية التي تعيش معنا على هذا الكوكب، من حيث مقدرة العقل البشري على الإدراك. إن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد القادر على إدراك ذاته وإدراك ما يفعل، في حين أن الحيوانات الباقية وعلى اختلاف أنواعها لا تستطيع أن تدرك وتميز، فهي تعمل غريزياً وتتعلم غريزية أيضاً.

الإدراك البشري

تقول الأساطير القديمة أن الإنسان قد ولد نتيجة لتزاوج الآلهة بطقوس معينة فولد الكائن البشري الذي هو في مرتبة أقل من الآلهة، وفي الأساطير أيضاً، ورث الإنسان المقدرة العقلية المتطورة ولكن جسده الترابي قيده في الأرض. فهو يحتاج إلى الأرض كي يأكل ويشرب ويبني بيته وينسج ملابسه، وعليها يعيش. وبهذه المقدرة العقلية والإدراك والتمييز والشعور، استطاع الإنسان أن يميز كل ما حوله، ونتيجة لمقدراته العقلية ومشاعره عمل الإنسان على ستر جسده الذي وجده يختلف في تكوينه بين الإنسان الذكر والإنسان الأنثى. ومن ثم تابع في ارتداء الملابس التي وجدها تحمي جسده من صقيع وبرد الشتاء، ومن حرارة شمس الصيف، ونتيجة للعوامل الطبيعية اختار الإنسان السكن في أماكن محمية ومسقوفة، فنظّم حياته للعيش في الكهوف والمغاور، وصولاً إلى بناء المواقع التي يبيت فيها مع عائلته. ومع تكاثر الإنسان بدأ ينظم شؤونه العائلية، الأب هو رب العائلة ويعمل لتأمين المأوى والمأكل وهو يعمل في الخارج، وألام لتربية الأطفال ورعايتهم وهي تعمل في الداخل. الذكر البكر هو الذي يرث الزعامة في العائلة وهو الحكم بين الأخوة عندما يكبرون ويتزوجون، ومع الوقت يصبح بكر البكر الشيخ الذي يهتم بشؤون قبيلته، ومع تطور هذا النظام الوراثي وتكاثر أفراد القبيلة، تحولت القبائل إلى إمارات وأصبح شيخ الإمارة يدعى الأمير، ومن ثم تحولت الإمارة إلى مملكة وأصبح أميرها يدعى الملك. بهذا التطوّر الطبيعي وجد النظام الملكي. إن النظام الملكي هو الأقرب إلى نظام الطبيعة فهو ينمو بشكل تلقائي. ولكن نتيجة للجهل والاختلال في الوضع العائلي والخلافات الداخلية في المملكة، أتى ما يعرف بالأنظمة الأخرى، مثل الأنظمة الرئاسية، منها الأنظمة الأحادية والأنظمة الديكتاتورية والأنظمة الديمقراطية وغيرها. يندر في هذا العصر وجود أي نظام يعمل طبقاً للنظام الملكي الطبيعي.

متطلبات الإنسان الحياتية

إن أول متطلبات الإنسان الحياتية هو المأكل والغذاء الذي يحتاجه الإنسان كي يحافظ على قوة جسده للاستمرار في العيش. ومن ثم يأتي الملبس كي يكسو جسده ويحافظ عليه من عوامل الطبيعة، وبعد الملبس يأتي البيت الذي يبيت فيه الإنسان ويؤمن له الحماية من عوامل الطبيعة ومن الحيوانات المفترسة. هذه هي الحاجيات الطبيعية الرئيسية الثلاثة التي يحتاجها الإنسان كي يستمر في الحياة المادية. أما فيما عدى ذلك فهو تفاصيل من أجل الراحة. أدرك الإنسان أن حياته على الأرض فيها الكثير من التعب والمشقة، وهي ليست الحياة المثالية التي يرغب في أن يعيشها، وراح يبحث عن الوسائل التي تؤمن له الراحة والصحة والبحبوحة. ومن أجل تحقيق ذلك توصّل الإنسان إلى أيجاد الأنظمة التي ترعى ذلك. في العلوم الفيدية، هناك ما يعرف بقانون مانو. مانو هو الإنسان الأول، الذي يأتي مع بداية يوم براهما، ومنه يأتي الجنس البشري، يمكننا تشبيه مانو بسيدنا آدم عندما أنزله الله إلى الأرض، أو ربما بسيدنا نوح بعد الطوفان. إذ تقول الرواية الفيدية أن مانو قد أتى بعد الطوفان.

قانون مانو

لقد وضع مانو قانونه نتيجة لما أنزل عليه من وحي. في قانون مانو يضع أسس المجتمع، فيقسم المجتمع إلى أربع وظائف أساسية وهي:

  1. التعليم بما في ذلك التعاليم الروحية،

  2. الإدارة وفيها الحكام والجيوش،

  3. التجارة وفيها الزراعة والصناعة والعناية بالموارد الطبيعية،

  4. الخدمة والعمل وتضمن جميع الأعمال اليدوية والمهنية.

تروي الأحاديث الفيدية أن طبقات المجتمع المتكامل هي أربعة، أولاً طبقة الحكماء وهم الذين يحافظون على التعاليم والتقاليد والقيم، وثانية طبقة الحكام، وهم الذي يحكمون المجتمع ويؤمنون الحماية له، وطبقة التجار ورجال الأعمال وهم الذين يؤمنون حاجات الشعب، وطبقة الخدم وهم الذين يعملون في خدمة الطبقات الثلاثة الأخرى. إن هذا التقسيم الرباعي لا يزال سائداً حتى في عصرنا الحديث. في تحليلنا للمجتمع القائم في أي بلد كان، نجد أنه يتكون من هذه الطبقات الأربعة حتى لو أنها غير محددة بشكل واضح. في العصر الحالي نصنف رجال الدين بالحكماء والمعلمين، أما السياسيون فهو الحكّام، ورجال الأعمال وأرباب العمل هم التجار، وعامة الشعب من الموظفين والعمال هم من يخدم الفئات الثلاثة الأخرى. لكن وفي هذا العصر، لا يوجد تمييز واضح بين هذه الطبقات، وبالتالي لا يشعر الإنسان من طبقة معينة بمسؤوليته الفعلية ودوره الحقيقي في المجتمع. تقول العلوم الاجتماعية أنه في عصرنا هذا يعمل الإنسان من أجل تحقيق أهدافه المادية والمعنوية، وقلما يعمل من أجل القيم والواجبات، وذلك نتيجة لجهل الإنسان لواجبه الحياتي وغاية وجوده. ونتيجة لهذا الجهل لا تحقق كل من الطبقات الأربعة غايتها الحقيقية، فالحكماء لا يعطون الحكمة إلى الشعب الذي عليهم تعليمه ورعايته، ولا الحكام يحكمون بالعدل وينصفون عامة الشعب الذي عليهم أن يحكمونه ويؤمنون الحماية الحقيقية له، ولا التجار يؤمنون ما يحتاجه المجتمع، فهم يطمعون بتحقيق الأرباح قبل تأمين حاجات المجتمع، أما الخدم، وفي ظل هذا الخلل على كل الأصعدة، فهم لا يخلصون في الخدمة، ويلجئون إلى تأمين حاجاتهم بطرق غير صحيحة. لذلك تدعوا العلوم الفيدية إلى ضرورة أن يقوم كل إنسان بواجبه المقدر له "دهرما" وترجمتها الواجب المقدّر. ويعرف الإنسان واجبه منذ الولادة، فإذا ولد في عائلة برهمانية، عائلة الحكماء، عليه إتباع ما يفرض على عائلته من واجبات في الحفاظ على المعرفة وتعليمها لعامة الشعب، وإذا ولد في عائلة الكشاتريا أي الحكام، عليه أن يتمرن ضمن عائلته على الحكم والأعمال القتالية للدفاع عن المجتمع. وأيضاً إذا ولد في عائلة الفاسيا، التجار، عليه أن يتمرن ضمن عائلته على تأمين وحماية وتوزيع الموارد والمحاصيل، وإن ولد في عائلة الخدم عليه أن يتمرن على الإخلاص والتضحية من أجل القيام بأعمال خدمة المجتمع حسب توجيهات الطبقات الثلاثة الأخرى. تعتبر كل طبقة من الطبقات وحدة اجتماعية متماسكة، تختلف من حيث العادات والتقاليد عن الطبقة الأخرى. لذلك لم يكن هنا من اختلاط بين الطبقات. كانت كل طبقة تتزوج ضمن طبقتها، وتمارس شعائرها الدينية وتقاليدها الاجتماعية ضمن طبقتها أيضاً. إن قيام كل طبقة من طبقات المجتمع بواجبها الكامل يصبح المجتمع متوازناً وصحيحاً وقادراً على تحقيق كل أهدافه.  


Home المدخل Up فوق Next التالي