الجسم البشري
تقول علوم الفيدا أن الجسم هو انعكاس للوعي، وأن مستوى الوعي هو مستوى
التطور الذي وصلت إليه الروح في مراحل وجودها المادي. وهكذا أن الروح
البشرية هي روح متطورة استحقت أن تحل في الجسم البشري. تكمن أهمية الجسم في
إعطاء الانطباعات على النفس من خلال العقل من أجل تطور الروح. والجهاز
العصبي البشري هو جهاز عصبي كثيف، إنه من الطين أو التراب، وقد ورد هذا
الوصف للجسم البشري في معظم الديانات الحديثة والقديمة. خلق الله آدم من
التراب، والقول للإنسان: "إنك من التراب وإلى التراب تعود". بالرغم من أن
الجهاز العصبي الترابي هو جهاز عصبي كثيف يقيّد حرية الروح ضمن مقدرة الجسم
على التحرك، إلا أنه ومن ناحية أخرى يعطي انطباعات مؤثرة على النفس ما
يساعد الروح على التحرر في مدة وجيزة. ومن أجل شرح ذلك، فلنأخذ هذا المثل:
"إذا أردنا أن نرسم خطاً بأصبعنا في الأثير، لا يمكن لهذا الخط أن يظهر،
وكذلك في الهواء، وفي النار ربما يتحرك اللهب ولكن سرعان ما يزول، وفي
الماء قد يظهر الخط في طرفة عين ويزول أيضاً، أما إذا رسمنا خطاً في التراب
فيبقى ظاهراً مدة أطول. وهكذا يستطيع الجهاز العصبي البشري الترابي حفظ
الانطباعات مدة أطول، ما يعطي التأثير السريع على النفس ويساعدها على
الخلاص. لذلك قيل أن الملائكة والمخلوقات النورانية تغار من الإنسان الذي
يسير مسرعاً في طريق التطوّر. لأن الجهاز العصبي البشري يساعد الروح
البشرية على التطور أكثر من الجهاز العصبي للمخلوقات النورانية مثل
الملائكة وغيرها والذي هو من عنصر آخر غير التراب.
إن هذه الأهمية للجسم أعطته
الصفة بأنه هيكل الروح، أو هيكل لله في الإنسان. لذلك على الإنسان الاهتمام
بالجسم كي يستطيع أن يساعد العقل على التطور والتفتح والتخلص من محدوديته
الصغيرة.
مدينة الأبواب التسعة
في الكتب القديم يوجد وصف
للجسم البشري بمدينة الأبواب التسعة، أي أن للجسم تسع فتحات وهي الأذنين
والعينين وفتحتي الأنف والفم والمخرجين السفليين. إن هذا الوصف للجسم هو
بسبب أهمية التأثيرات الخارجية عليه. ويتلقى الجسم التأثيرات الخارجية من
خلال هذه الفتحات. لذلك على الإنسان أن يهتم بوظائف الأبواب التسعة. إن كل
ما يدخل الجسم له تأثير على العقل. والعقل يعكس تأثيره على النفس. لذلك على
الإنسان أن يتنبه لكل ما يدخل إليه.
إن ما يدخل من الأذنين، من
كلام وأصوات وأنغام وأقاويل وترانيم وغيرها لها تأثير على الإنسان. كما
يهضم الجهاز الهضمي الأكل الجيّد ويتعسر في هضم الأكل غير الملائم، كذلك
الإذنين تتعسر في هضم ما تسمعه من أصوات أو أنغام أو كلام غير ملائم. وما
ينطبق على الأذنين، ينطبق أيضاً على العينتين، كل ما تشاهده العينتين عليه
أيضاً أن يتحول إلى ذكاء وطاقة، وكل ما يشمه الأنف عليه أيضاً أن يتحول إلى
طاقة وذكاء وكل ما يأكله الفم على الجهاز الهضمي أن يحوله إلى طاقة وذكاء.
أما دور المخارج فهو مرتبط بالجزء السفلي من الجهاز الهضمي، الأمعاء
الغليظة والمبولة. على الإنسان أن يخرج ما يفرزه الجهاز الهضمي بشكل جيد كي
يبقى الجسم نقياً خالياً من السموم. إذا اهتم الإنسان بهذه البوابات التسعة
يضمن وظيفة جيدة للجسم ما يساعده على إيجاد الوضع الملائم للعقل كي يظل
صافياً ومتفتحاً. وبحديثنا عن الجسم علينا أن ندخل في شرح تفصيلي لأصول ما
يجب أن ندخله إلى الجسم.
الأصوات والأنغام
قبل أن نتكلم عن أي شيء في الجسم علينا دوماً أن نتذكّر
أن غاية وجود الجسم هي من أجل السماح للكيان الإلهي أن يلتقط ظواهر الوجود
من خلال جسدنا. وانطلاقاً من هذه الحقيقة، تهون علينا الأمور فيما نوجّه
انتباهنا إليه.
إن السمع هو العنصر الأكثر إرهافاً من غيره من الحواس.
إن حاسة السمع لها ارتباط بالأثير، والأثير أخف العناصر من العناصر الخمسة.
لقد وجد الأثير قبل الهواء، وهكذا وجدة حاسة السمع قبل غيرها من الحواس.
وهذا الأمر واضح في جميع العلوم القديمة، وعلوم الفيزياء الحديثة التي تقول
أن أول ما خرج من حقل السكون هو صوت الاهتزاز الأول. تقول علوم الفيدا
عندما انطلق الصوت الأول تبعه الأصوات الأولية في الجملة الأولى للوجود،
واستمرت الأصوات الأولية في الانطلاق إلى أن تفتح الوعي بشكله الكامل.
عندما انطلقت الأصوات الأولى، كانت تنطلق بتتابع كوني متناغم. شكل هذا
التتابع ما يشبه السلم الموسيقي الأولى لأصوات الطبيعة. يترافق مع كل عملية
لتفتح للوعي أصوات متتابعة ومتناغمة. لقد أدرك حكماء الفيدا القدماء هذه
الأصوات وحفظوها، وتناقلوها عبر التعليم الشخصي، ومنها وضعوا أسس النطق
والتعبير بما فيها تعبير الوجه واليدين والرجلين والجسم وصولاً إلى الرقص
تمجيداً لله، وأيضاً الكلام وبحور الشعر وموازينه، ووضعوا السلم الموسيقي
الأول، وأنغامه والمقامات الموسيقية. تجدر الإشارة إلى أن السلم الموسيقي
للموسيقى الفيدية القديمة والتي يعود تاريخها إلى ما قبل التاريخ الذي
نعرفه، هذا السلم الموسيقي الفيدي هو مشابه تماماً للسلم الموسيقي الغربي،
إلا أن المقامات الموسيقية الفيدية القديمة تتجزأ إلى واحد من ستة عشر من
النغم بالقياس مع المقامات الغربية التي لا تتجزأ إلا إلى نصف النغم،
والمقامات العربية التي تتجزأ إلى ربع النغم. نظهر فيما يلي السلّم
الموسيقي الفيدي بالمقارنة مع السلّم الموسيقي الغربي:
الفيدي |
سا |
ري |
غا |
ما |
با |
ضا |
ني |
الغربي |
دو |
ري |
مي |
فا |
سول |
لا |
سي |
لقد بدأنا شرحنا عن
الموسيقى وربطنا مصدرها مع ما أدركه الحكماء الرائين الفيديين منذ القدم كي
نبرز أن لكل شيء أصوله النابعة من حقل الوعي الذي هو بيت كل قوانين
الطبيعة، هذه القوانين التي هي تفاصيل القانون الإلهي. لذلك من الضروري أنه
عندما نسمع الموسيقى يجب أن تكون معزوفة بشكل صحيح دون أي خطاء كي لا يتم
إحداث الخلل في التناغم الباطني في دماغنا. كما أن الكون قد انطلق بأنغام
صوتية، كذلك انبثق الجسم بأنغام صوتية، هي الأنغام الأولية التي تتناغم في
أعماق ذاتنا على مستوى بداية تدفّق الذكاء إلى الجسم. إن أي صوت نسمعه وفيه
خلل، سوف يكون له التأثير على نبضات الذكاء فينا. وكذلك عندما نسمع
الترانيم، لا يكفي أن تكون صحيحة من حيث اللفظ والأداء والأسلوب والنغم، لا
بل من حيث الكلام والمعاني، وأكثر من ذلك، صوت الشخص الذي يقوم بتلاوتها
وصفاء ذهنه وتركيزه على المعاني وذوبان قلبه في كل كلمة يلفظها، كي تخرج
الترنيمة منه مدغدغةً لكل أحاسيس ومشاعر من يسمعها. إن الترانيم في العلوم
الفيدية هي كثيرة ومتعددة، منها للفرح منها للحزن ومنها للتكريم ومنها
للمناسبات السعيدة ومنها للمناسبات الأليمة ومنها لانطلاق العمل ومنها
للطقس والمطر والزرع والحصاد وفي تحضير الأكل، وأهمها في تقديم الأضاحي
وتمجيد الله وخليقته، وغيرها من المناسبات المتعددة الكثيرة. إن اعتياد
العقل على سماع الأنغام والكلام المنتظم والموزون، يساعده على التفكير
الصحيح، ويعطيه الراحة العقلية التي تزيد في مقدرته على التركيز في العمل
من أجل إتقانه. هذا العقل المنتظم يؤدي حتماً إلى انتظام في وظيفة الجهاز
العصبي، الأمر الذي يؤدي إلى انتظام في وظائف الجسم فيكسب جهاز المناعة
مقدرة أكبر على حماية الجسم من الأمراض. إن ما ينطبق على الترانيم
والأناشيد والأغاني والموسيقى ينطبق أيضاً على كل أنواع الخطابة والكلام
والأحاديث والأقاويل وغيرها.
إذا قارنا الوضع الذي نعيش
فيه في هذا العصر مع كل ما نسمع من حولنا بشكل مباشر ومن خلال وسائل
الإعلام المتنوعة والمتعددة، إضافة لكل أنواع الأصوات وضجيج الآلات، ونوعية
الغناء ومعاني الأشعار والأقوال والتصاريح والخطابات والأخبار التي لا تنبئ
إلا بالمصائب والحروب والكوارث والنزاعات والخلافات. أمام كل هذا الواقع
الذي نحن مرغمون على سماعه شئنا أم أبينا، ومع اقتنعنا فعلاً بما قد ذكرنا
فيما سبق، نجد أنفسنا مدفعين إلى ترك هذا المجتمع إلى مكان يعطينا حرية
السمع المريح. سمع الأصوات التي ترفع ذاتنا من أجل التطوّر. الموسيقى الفيدية
في العلم الفيدي هناك فرع
خاص للموسيقي يدعى غندهارفا فيدا، وهي معرفة الموسيقي. يقول علماء الفيدا،
إن موسيقى الغندهارفا فيدا هي التعبير عن الموسيقى الخالدة للطبيعة. إنها
الموسيقى المتوازية مع القانون الطبيعي. إنها موسيقى الطبيعة التي تتفاعل
مع حركة كل شيء في الكون، هناك نغم للشمس عن الشروق، ونغم آخر عند إشعاعها
الكامل في الظهيرة، ونغم آخر في فترة بعد الظهر وفي عن المغيب، وبعده سكون
منتصف الليل واستقرار آخر الليل وبزوغ الفجر. هذه هي أنغام وألحان موسيقى
الغندهارفا فيدا.
طبقاً لعلوم مهاريشي
الفيدية، يقسم اليوم إلى ستة أقسام، كل قسم منه مدته أربع ساعات. وفي كل
قسم تتناغم الطبيعة بشكل مختلف عن تناغمها في القسم الأخر من اليوم. وقد
وضعت جامعة مهاريشي مقاطع موسيقية خاصة لكل قسم، تدعى هذه المقاطع
الموسيقية "راغا" وهنا راغا خاصة لكل قسم من اليوم، وبسماع الراغا الخاصة
بالقسم المعين من اليوم بشكل منتظم، تنتظم موجات دماغ الإنسان ما يساعده
على التطور بالانسجام مع قوانين الطبيعة.
|