عالم الأرواح
لكل إنسان عمره المقدر طبقاً للنظام الإلهي. والعمر المقدر هو ما يكتب له من سنين
الحياة عند ولادته. ولكن الإنسان يعيش حياته ضمن خيارته الخاصة التي قد يكون لها
تأثيراً على جسده المادي. وقد يتصرف الإنسان بجسده بإهمال، ما يؤدي به إلى المرض
والموت قبل انقضاء العمر المقدر. وفي هذه الحالة تذهب الروح ومعها النفس إلى عالم
الأرواح بانتظار ساعة الحساب أو ساعة التحول التي تكون في نهاية العمر المقدر عند
الولادة. لذلك تعتبر الديانات أن الانتحار هو خطيئة كبيرة، فهي خطيئة مزدوجة فيها
جريمة القتل لنفس صاحبها، وفيها أيضاً استهتار بجسد الإنسان والتدخل في تقصير عمره
مخالفة لما وهبه الله له.
الطرق الثلاثة
إن الطرق التي تسلكها الروح بعد الموت هي ثلاثة: الطريق العلوي، والطريق الوسط
والطريق السفلي. في الطريق العلوي بذهاب الروح إلى السماء وفي الطريق السلفي بذهاب
الروح إلى الجحيم، أما في الطريق الوسط تبقى الروح في نطاق الدنيا التي نعيش فيها،
وتنتقل حسب استحقاقها بين طبقة وطبقة أخرى من مستويات الوجود المادي في هذه الدنيا.
أما التحرر التام فهو خلف هذه الطرق الثلاثة، إنه الذوبان التام في بحر الله.
اليوم الأخير
لقد تحدثنا عن مسلك الروح بعد الموت، ولكن هناك استحقاق هام يتوجب علينا أن نفهمه
وهو اليوم الأخير، أي يوم اضمحلال الكون. إن لكل كائن مادي بداية ونهاية، وكذلك
للكون بدايته ونهايته. في نهاية نهار براهما ومدته أربع مليارات وثلاثمائة وعشرون
مليون سنة، سوف يضمحل هذا الوجود المادي الذي نعيش فيه، أي المجرة التي من ضمنها
الكرة الأرضية. إن نهاية نهار براهما لا تعني اضمحلال الكون كله بشكل نهائي. يضمحل
الكون بشكل نهائي في نهاية حياة براهما ومدتها مائة سنة وفي كل سنة ثلاثمائة وستون
يوماً، وفي كل يوم يوجد أربع مليارات وثلاثمائة وعشرون مليون سنة للنهار و أربع
مليارات وثلاثمائة وعشرون مليون سنة لليل بالمقياس الأرضي. أي أن العمر الإجمالي
للكون هو ثلاثمائة وإحدى عشر ألف وأربعون مليار سنة حسب التقويم الأرضي كما ورد في
علوم الفيدا. في نهاية نهار براهما يضمحل الوجود المادي الذي نعيش فيه، ويغيب كي
يعود بعد انقضاء ليل براهما. في نهاية النهار يكون الحساب، وكل روح لم تكن متحررة،
وبالتالي لا تستطيع أن تعود إلى للتوحد بالله، سوف تبقى في الخارج تنتظر وتتألم
بعذاب الانتظار في ظلمة الليل الطويل، لتعود عندما يطلع نهار براهما كي تتابع مجرى
تطورها. لذلك دعت جميع الديانات إلى التنبه ليوم الحساب الأخير الذي هو يوم
القيامة.
في تلك الساعة ينتهي دور براهما ويخلد إلى النوم في ليله، ويحضر فيشنو
المحافظ على الخليقة، وفي لمحة بصر يحاسب كل الأرواح، فيدخل كل روح متحررة إلى
الحقل الإلهي، ويرمي الأرواح التي تحمل الأنفس الخاطئة في الخارج، وينهي دوره
بالعودة مع الأرواح المتحررة إلى حقل السكون الإلهي، وهكذا يصح قول السيد كريشنا
الذي هو تجسد فيشنو أو تجسد الله في المحافظ على الخليقة، كما يصح قول السيد المسيح
الذي هو أيضاً تجسد الله بصفة الابن المعلم، في قولهما المتطابق: "أنا البداية وأنا
النهاية، ولا أحد يعود إلى الله إلا بي". هنا لا بد من القول بأن على الإنسان أن
يعرف أن جميع الرسل والأنبياء، وكل تجسد لله، هم لم يأتوا من أجل من تبعهم فقط، بل
هم يأتون من أجل تحقيق إرادة الله في هداية البشر للسير في الطريق الصحيح. مع عودة
الأرواح المتحررة ومعهم فيشنو إلى الحقل الإلهي، وفي لمحة بصر أخرى، يعمل شيفا
المدمّر على تدمير وإفناء ما يريد الله إفناءه من الخليقة، وينتهي دور شيفا أيضاً
ويعود إلى الحقل الإلهي بانتظار انقضاء ليل براهما كي يعودوا، أي براهما الخالق،
وفيشنو المحافظ وشيفا المدمّر، إلى الخليقة ليطلقوها في نهار جديد مدته أربع
مليارات وثلاثمائة وعشرون مليون سنة. وتتكرر عملية الخلق والفناء لمدة 36 ألف يوم
أي 36 ألف مرة، وفي كل مرة أربع مليارات وثلاثمائة وعشرون مليون سنة من النهار
وأربع مليارات وثلاثمائة وعشرون مليون سنة من الليل. من بعدها يكون الفناء الكوني
الكبير، الذي ينتهي بالطريقة ذاته، ولكن بعد الفناء الكبير، يغيب الكون عن الظهور
لمدة تساوي مدة ظهوره، ومن ثم ينطلق من جديد. هذه هي حقيقة الطبيعة الإلهية الدائمة
الاستمرار والتي لا يمكن أن تتوقف. |