الروح والموت الجزء الثالث
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
الروح والموت الجزء الأول
الروح والموت الجزء الثاني
الروح والموت الجزء الثالث
الروح والموت الجزء الرابع

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

التدني في الوعي البشري

كما يستطيع الإنسان أن يتطور في الوعي إلى حالات أسمى من الوعي والتنور، كذلك يستطيع الإنسان إذا أخطاء، أن ينحدر في مستوى وعيه. إن عدم الوصول إلى مستويات الوعي الأسمى تعتبر انحداراً في الوعي، لأن الإنسان وفي هذه الحالة، يفقد شمولية إدراكه العقلي، فيكون عقله مدركاً للناحية المادية للوجود فقط. وفي هذا المستوى من الوعي الذي يعيش فيه معظم البشر في عصرنا الحالي، وهو إدراك الناحية المادية للوجود فقط، قد يقترف الإنسان خطايا في حياته، تزيد من انحدار وعيه، وتزيد الانطباعات المعقدة في النفس، ما يزيد من تكبيل الروح. قد يصل الحال بالإنسان إلى أن تتكاثر الانطباعات والخطايا على النفس لدرجة لم تعد فيها الروح تستحق الجسد البشري الذي تقيم فيه، فتتدنى حياة الإنسان ويتورط أكثر في الحياة المادية، وتزداد شهواته الدنيئة، ويصبح هدف حياته في تحقيق شهواته، فيحقّر مقام الإنسان في ذاته ويحقّر غيره من البشر، وتنعدم عنده الرؤية لأي إشارة من إشارات الله، فيشطن عن طريق الحق، ويتحول إلى كافرٍ يحقق ملذاته الدنيئة المعاكسة لمجرى التطوّر ومجرى الحياة الإلهية. عندما يشطن الإنسان عن طريق الحق، يذهب بروحه إلى طريق الشياطين (إن مصدر كلمة شيطان يأتي من فعل شطن، ومعناه: السير في الطريق المعاكس للطريق الصحيح). لكن النظام الكوني لا يردع هؤلاء الأفراد بوضع العراقيل في طريقهم لمنعهم عن المتابعة في شطنهم، لا بل يزيدهم مما يطلبون، فتزيد فيهم دناءة النفس، وقيود الروح، ليتحكموا بمن هم أقل منهم دناءةً، فهم يقترفون الأخطاء بمن يستحق أن تُقترف بهم الأخطاء. إذا كان الفرد الذي يقترفون به أخطائهم يسير في طريق التنور، فهم يساعدنه على التكفير عن أخطائه، والتخلص من ذنوب نفسه. أما إذا كان الفرد الذي يقترفون به أخطائهم يتبعهم في طريقهم، فهم يثيرون فيه التحدي والغضب كي يقترف هو المزيد من الأخطاء التي تزيده جهلاً ودناءةً. كلما زاد جهل الإنسان وزادت دناءة نفسه وأخطائها، تدنت مرتبة روحه، وفقدت من حريتها، إلى أن يصل بها المطاف إلى فقدان حرّيتها بالكامل. عندما تفقد الروح حريتها بالكامل نتيجة لدناءة النفس وحقارتها، لا تعود الروح لتستحق أن تتواجد في جسدٍ عنده المقدرة على حرية الخيار، وبعد الموت، ينزلها الله النفس الكثيرة الخطايا إلى الأسف، ويقيدها في الجسد الذي تستحق. وكلما تدنت مرتبة الروح، كلما أنزلها الله إلى الأسف، إلى أن تصل إلى أسفل السافلين، وإلى عذاب الجحيم.   

الجحيم وكائنات الظلمة

كما أن السموات هي ليست بمكان مادي شبيه بعالمنا الذي نعيش به، بل هي بحر للسعادة والغبطة، كذلك الجحيم هو ليس بمكانٍ مادي شبيه بعالمنا الذي نعيش فيه، إنه حالة من بحرٍ للشقاء والعذاب، تذهب إليه الأرواح التي لا تستحق أن تتجسد بجسدٍ مادي في البعد الذي يعيش فيه البشر. تتجسد الروح صاحبة النفس الدنيئة الخاطئة بجسدٍ من كائنات الظلمة مثل الشياطين والأبالسة والعفاريت. تبقى الروح صاحبة النفس الخاطئة في العذاب الأليم آلاف السنين لا تموت وليس لها المقدرة على التخلص من الجسد الذي حلت به. وتبقى على هذا المنوال لحين أن تنال جزاء الخطايا الكبيرة التي ارتكبتها. وبعدما تحذف الخطايا التي تم معاقبة النفس على ارتكابها، وعندما يرتفع مستوى الروح التي نالت جزاءها في عذاب الجحيم، وتصبح مستحقة للتجسد بجسد مادي آخر، تترك جسد الظلمة، وتتجسد مرة أخرى في كائنات الأرض، وتدخل من جديد في دوامة الولادة والحياة والموت، فتحل عليها رحمة الله وتعطى فرصة جديدة للتطور والترقي. 

الشيطان وإبليس والعفريت

إن جميع الكائنات دون أي استثناء هي خاضعة لمشيئة الله. وليس هناك من تهاون أو تنازل في قوانين النظام الإلهي. يتحلى النظام الإلهي بكل دقة وكل صرامة دون أي تهاون أو تنازل. إذا شاء الله، العليم بكل خفايا الأمور، أن يقدم أي تنازل، لكان قد وضع قانوناً مختلفاً، فهو الواضع لكل قوانين الوجود. وبناء عليه، إن بعض الروايات الدينية التي تقول بأن الشيطان هو ملاك عصي إرادة الله ولم يسجد إلى آدم، يقصد بها أن الشيطان ذهب في الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي يسلكه آدم في الحياة المادية. وكي نفهم هذا الأمر، علينا أن نفهم طبيعة الله المرتكزة على عنصرين في تكوينه الخالد وهما العنصر الموجب والعنصر السالب. أي العنصر المذكّر والعنصر المؤنث، أي بروشا وبراكريتي في العلوم الفيدية، أي اليينغ اليانغ في العلوم اليابانية القديمة، أي آدم وحواء في الفردوس الإلهي قبل نزولهما إلى الأرض، في العلوم الدينية الحديثة. عندما يظهر الوجود، عليه أن ينمو بالعنصرين معاً، كما ينمو الخير كذلك ينمو معه الشر، وكما أن النهار متساوٍ مع الليل، كذلك أن الموجب والسالب هما متساويان. هذا هو التوازن والتناظر، إلا أن هذا التوازن لم يكن تامً، إذ أن الموجب قد ظهر قبل السالب بلحظة وهذا ما تشرح عنه نظريات علوم الفيزياء الحديثة بانكسار التناظر. وهذا أيضاً ما تشرحه العلوم الدينية في رواية الخلق بأن آدم قد خلق قبل حواء.

إذا عدنا إلى فصل الزمن، وراجعنا العصور الكونية، لوجدنا أن عصر الحق يتجه فيه الوعي من المستوى الأقصى ويتدنى انحدارياً، أما في عصر الجهل، فيتجه الوعي فيه من المستوى الأدنى ويترقى تصاعدياً. في مرحة توجه الوعي إلى التدني، يكون العنصر السالب هو الداعم للتطور، أما في مرحلة ترقي الوعي يكون العنصر الموجب هو الداعم للتطور. وهكذا، ونتيجة للطبيعة الإلهية، يكون دور الشيطان، في مراحل توجه الخليقة إلى التدني، داعما لتوجه الخليقة. إن مفهوم الشيطان كما نفهمه الآن في عصر الجهل، هو ليس الشيطان الذي يكون في عصر الحق. إن شيطان عصر الحق هو الذي يعاكس الخليقة في التوجه إلى الحياة المادية، أما شيطان عصر الباطل والجهل فهو الذي يعاكس الخليقة في التوجه إلى الحياة الروحانية. كما ذكرنا سابقاً أن الشيطان هو الذي شطن، تعني الذي ذهب في الطريق المعاكس للطريق الصحيح. في عصر الحق يكون الطريق الصحيح باتجاه الحياة المادية، أما في عصر الجهل فيكون الطريق الصحيح باتجاه الحياة الروحانية. وهنا لا بد من الذكر أن أنبياء عصر الحق هم الذين يدعون إلى التوجه والتعرف على الحياة المادية، ومنها اقتناء الممتلكات واللهو والملذات والزواج وإنجاب الأولاد وغيرها. أما أنبياء عصر الجهل فهم الذين يدعون إلى العودة إلى الذات والتطور والتقشف والتواضع والتقوى. ربما بقراءتنا لهذه الكلمات نشعر بنوع من عدم التقبّل، لكن إيماننا بالله بأنه خالق كل شيء وموجود في كل شيء، هو الذي يجعلنا أن نسلّم بالطبيعة الإلهية، كما تجلّت على كل الأنبياء، في عصرنا هذا وفي كل العصور الكونية الغابرة. فالله لم ولن يترك خليقته التي خلقها من أجل إظهار طاقته غير الظاهرة في المادة الظاهرة.

لقد خلق الله الأرباب والملائكة والجن والشياطين والأبالسة والعفاريت، وكل المخلوقات التي نراها والتي لا نراها، من أجل خدمته. يعطي الله لكن كائن دوره في الخليقة كي يحافظ على التوازن من أجل التقدم المستقيم للوصول إلى غايته. وكما للشيطان الدور المعاكس، كذلك لإبليس دور آخر. إن إبليس هو الذي يتسبب باللبس، وكلمة لبس تعني إظهار الشيء على غير حقيقته. إبليس هو المضلل. إن الشيطان هو الذي شطن وذهب في الطريق المعاكس، أما إبليس فهو الذي يضلل غيره، أنه أقل خطراً من الشيطان. وبالرغم من أنه مضلل، لكنه قد لا يكون هو ضالاً، فهو يجرب المؤمن القوي كي يختبر الله قوة إيمانه، ويضلل المؤمن الضعيف في طريق تطوره. وهو قد يضلل المجرم عن الوصول إلى إنسان تقي لا يستحق القتل. وهو يمنع الخاطئين من اقتراب المواقع المقدسة. أما العفاريت فهم في أقل مستوى من الأبالسة، وهم أقل ذكاء. إن العفاريت هي أرواح تائهة يمكن أن يستخدمها أصحاب النفوذ الروحاني القوي لأغراضهم الخاصة. وقد يستخدمها البشر أيضاً من الأشخاص الذين يملكون معرفة خاصة في تحضيرها وتوجيهها، فيستخدمونها للأعمال الحسنة أو الأعمال السيئة.


Back السابق Home المدخل Up فوق Next التالي