الروح الكونية - الجزء الثالث
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
الروح الكونية - الجزء الأول
الروح الكونية - الجزء الثاني
الروح الكونية - الجزء الثالث

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

الشرارة الأولى للوجود

إن الظهور الكوني هو ردة الفعل لفعلٍٍ ما. وكما شرحنا أنه في الطبيعة الإلهية تكمن رغبة الظهور، هذه الرغبة الإلهية هي الفكرة الأولى التي تسببت للروح الكونية في الظهور في المادة، لذلك يتوجب أن تكون الفكرة موجودة قبل وجود الكون. أما إذا لم يكن الكون موجوداً، ولم يكن العقل الكلي قد ظهر، فمن هو الذي فكرّ الفكرة الأولى التي تسببت بوجود الكون.

بما أن الوجود قد وجد نتيجة لطبيعة الله التي ترغب بالظهور، وبما إن هذه الرغبة الواحدة للظهور هي الفكرة الأولى المتضمنة في الطبيعة الإلهية، فهي موجودة في ذاكرة الله الكائن الأبدي ويتذكّرها كلما تفاعل تهيئةً لعملية الظهور. وبتذكر هذه الفكرة يكون الله هو الذي قام بالفعل، وقد قام به مباشرة في لحظة التهيئة لعملية الخلق. لذلك قيل في القرآن: "وقال الله كن فكان" وكذلك ورد في العلوم الفيدية أن برهما الخالق كان نائماً وحلم بالوجود وكانت الخليقة. لذلك نستطيع القول أن الرغبة الإلهية هي فكرة مستمرة في الذاكرة الإلهية ويتذكرها الخالق، وكردة فعل لهذه الفكرة ابتدأ الوجود ومن ثم استمر كل شيء في الظهور نتيجة للتفاعل بين الفعل وردة الفعل بشكل تلقائي. إن هذه الفكرة الواحدة للخالق، في الرغبة في الظهور، تشبه الشرارة الأولى التي أطلقت الوجود، واستمرت هذه الشرارة بالانتقال إلى كل العناصر الفردية للوجود.

الروح الكونية في المادة

انطلاقاً من الأبعاد الثلاثة للروح الكونية، تنبعث نبضات الذكاء الخلاق المحورية بدءً من الحلقات الكبيرة الهائلة في الكون إلى الحلقات الأصغر إلى تجمعات المجرات المحورية الكونية إلى المجرات الشمسية إلى الشمس والكواكب في كل مجرة وصولاً إلى الكرة الأرضية. في الكرة الأرضية هناك أيضاً نبضات قوى الطبيعة منها الرياح والعواصف والبرق والرعد والنار والمياه والأرض وغيرها. إن جميع هذه النبضات تخضع للهرمية الكونية في الهيكلية الإلهية. وكل نبضة من هذه النبضات هي همزة وصل مع الروح الكونية نسميها بالروح الفردية. ونكرر بأن لكل عنصر وجودي روحاً فردية تربطه بالروح الإلهية كي تستمد منها دفع الانبعاث في الولادة والحياة والموت.وهكذا نرى أن الروح الكونية تعطي روحاً فردية معينة لكل عنصر وجودي. بالرغم من أن هذه الروح الفردية هي جزء من الروح الإلهية وفيها صفات الكل، إلا أن غايتها هي محددة بالشكل المادي الذي تظهر فيه. مثلاً إذا ظهرت الروح الفردية في الشجرة تكون غاية وجودها أن تحقق الشجرة غايتها. وهكذا على الروح الفردية أن تحقق الدور الكامل لظهورها المادي.

الطاقة الفردية

لا تستطيع الروح الكونية أو الروح الإلهية أن تطلق المادة إلا إذا تفاعلت بالنفس الكونية (براكريتي) وبهذا التفاعل تبدأ النبضات بالانطلاق لتكوّن مفردات الوجود. تشكل كل نبضة من النبضات الفردية جزء من الروح الإلهية غير المحدودة، والجزء الواحد من غير المحدود هو غير محدود أيضاً. إذا عدنا إلى العمل الثلاثي للوجود، أن أول تدخل للروح الإلهية في المادة كان في عملية الخلق، فكانت روح الخالق المنبثقة من الروح الإلهية، والتي تشكل وجه من الأوجه الثلاث للطاقة الكونية، ومن ثم روح المحافظ على الخليقة وهي أيضاً منبثقة من الروح الإلهية وتمثل وجهاً آخر من الأوجه الثلاث للطاقة الكونية، ومعهما روح المدمر للخليقة وهي أيضاً تمثل الوجه الثالث من الأوجه الثلاث للطاقة الكونية، وبالرغم من وجود ثلاث أوجه للطاقة الكونية إلا أن الطاقة الكونية تظل كاملة دون أية نقصان، وهكذا تتكرر عملية تجزئة الطاقة الكونية في كل مستوى من مستويات الظهور، فيأخذ الفرد من الطاقة الكونية الجزء الملائم لوجوده الفردي، تختلف طاقة الروح الفردية في مخلوق صغير عن طاقة الروح الفردية في مخلوق آخر. إن هذه الاختلافات هي بمشيئة الله الذي يرسم لكل المخلوقات غاية وجودها.

الله في الوجود المادي

هناك مبدأ أساسي في قوانين الطبيعة يقول أن عمل الطبيعة هو دوماً من أجل تحقيق غاية معينة. وهكذا إن الوجود كله هو من أجل تحقيق غاية الله، وغاية الله في أن يظهر في المادة ويختبر الوجود المادي من خلال جميع مخلوقاته، فيتغلغل الله في جميع طبقات الخليقة كي يختبر الوجود في كل هذه الطبقات، فهو يسمع الوجود المادي من كل آذان مخلوقاته ويلمس الوجود من جلد كل مخلوقاته ويرى الوجود من أعين كل مخلوقاته ويتذوق الوجود من ألسن كل مخلوقاته ويشم الوجود من أنف كل مخلوقاته، وهكذا يختبر الله الوجود المادي بشكله الكامل ودون أية نقصان. إن ما يختبره المخلوق الفردي بواسطة حواسه الخمس يختلف عن ما يختبره مخلوق آخر، فحاسة السمع مثلاً عند مخلوق معين تختلف عن مخلوق آخر. وهكذا ومن خلال كل المخلوقات المختلفة يكون الله متغلغلاً في الوجود بكل تفاصيله، وهذا ما يؤكده علم الفيزياء الذي يقول أن الحقل الموحد هو حقل لا محدود من الطاقة وهو الفراغ المجود في كل ذرة ما بين الالكترونات والنواة، وكأن علم الفيزياء الحديث يقول أن الله هو موجود في كل ذرة من الوجود، وبالتالي هو موجود في كل شيء تمام كما تقول العلوم الدينية المختلفة.

خطيئة العقل

بعدما عرضنا التفاصيل المختلفة لوضعية الروح الإلهية الكونية، لا بد أن نعود ونذكر العقل الكلي للوجود (مهات) الذي هو ينظم حياة الوجود، تماماً كما ينظم العقل الفردي حياة الفرد. لقد رأينا في التحليل أن الوجود قد ظهر نتيجة للطبيعة الإلهية في الرغبة في الظهور. وهذه الرغبة ورثها العقل الكلي الأول، وبالرغم من أن العقل الكلي هو عقل الكون إلا أنه غير قادر على احتواء الحالة الإلهية، وعندما لم يستطع العقل احتواء الطاقة الإلهية غير المحدودة ظهرت منه الأنا الكونية، فاعتقد العقل أنه هو المرجعية الكونية الكاملة. ومع وجود الرغبة المغروزة فيه من الله، ومع عدم احتواء العقل للطاقة الإلهية، اندفع العقل لتحقيق هذه الرغبة المغروزة، وظهرت الغريزة الكونية. وعندما اكتملت الغريزة أصبح كل شيء يتفتح بشكل تلقائي. أن ما يعرف في العلم الفيدي بكلمة "براكيا براد" أي ترجمتها "خطيئة العقل" هو الشيء الذي تسبب بظهور الوجود. تشبه رواية خطيئة العقل في العلم الفيدي، رواية آدم وحواء قبل طردهما من الفردوس. إن الله هو الذي غرز الشجرة المحرّمة في حقل فردوسه السماوي، وبإقدام آدم على أكل ثمرة الشجرة المحرّمة اعتقد أنه أصبح المرجعية الأساسية، وفقد اتصاله بالمرجعية الإلهية المطلقة. واندفع في الاتجاه المادي مسبباً للكيان الإلهي في الظهور. إن مبدأ خطيئة العقل هو أيضاً في نظريات علوم الفيزياء الحديثة بما هو معروف بنظرية انكسار التناظر التي تقول بأن الكون فيه اختلال في تناظر طاقته الأساسية ما يدفعه للتمدد والتوسع المستمر.


Back السابق Home المدخل Up فوق