المعرفة - الجزء الرابع
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
المعرفة - الجزء الأول
المعرفة - الجزء الثاني
المعرفة - الجزء الثالث
المعرفة - الجزء الرابع

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

وعي الديفاتا

إن نوعية الوعي التي تظهر بتفتح الديفاتا هي أسلوب تعبير الحقيقة، يمكننا أن نشبّه الديفاتا ببحور الشعر التي تحدد إيقاع الكلام الشعري. وهنا وبعدما ينزل الله معرفته على نبي أو أكثر، وقد تستمر مرحلة التنزيل لحين كشف الحقيقة الكاملة، يصبح بعدها ضرورياً تفسير ما قد أنزل على البشرية. يحدث ذلك بتفتح مناخ وعي الديفاتا، وأيضاً يلتقطه المقربين إلى الله، وكما يحدث في عملية تفتح وعي الريشي، كذلك يحدث في تفتح وعي الديفاتا، إلى أن يأتي من يرسله الله ليفسر ما قد تنبأ به الأنبياء، وهنا تكون الرسالة، وحامل الرسالة هو الرسول. الرسول هو من يثبّت ويؤكد ما قد تنبأ به الأنبياء من قبله، ويتصف دوره بالعمل المحدد والصارم، ويلتزم بالرسالة التي أتى من أجلها. كثيراً ما يكون دور الرسول وجيزاً على الأرض. تختلف نوعية الرسول مع متطلبات التغيير من حيث أهميتها، فالرسول هو الذي يحوّل مسار البشرية من وضعٍ إلى وضعٍ آخر. تقول علوم الفيدا أن المرسلين من عند الله تتفاوت نوعيتهم تماشياً مع ما ينقص من معرفة عند البشر، كلما كان الوضع متدهوراً أكثر، يكون عمل الرسول شاملاً، ويزوّد بصلاحيات أكبر. هناك ما يسمى باللغة السنسكريتية "آفاتار". وآفاتار تعني تجسد "فيشنو" وكما شرحنا في فصل الدور الإلهي، إن فيشنو هي الدور الثاني لله في الخليقة الذي يبدأ مباشرة بعد لحظة عملية الخلق. يتحلى الآفاتار بالوعي الإلهي المتكاثف بدور فيشنو، وروحه هي جزء من روح الله الكلي، وهو منزه عن الخطيئة، إذ هو يولد بظروف غير عادية، فيها الكثير من الخوارق التي تعبّر عن المقدرة الإلهية غير المحدودة، وهو ينطق باسم الله مباشرة، لا بل يقول "أنا هو".

أما في الديانة المسيحية نرى رواية السيد المسيح، عيسى ابن مريم، وقد ولد بنفخة من روح الله، وإذا ما قارنا ولادة السيد المسيح بولادة السيد كريشنا الذي هو آفاتار حسب العلوم الفيدية، والذي تجسد منذ حوالي خمسة آلاف سنة، لوجدنا الكثير من التشابه والسلطة، إذ كليهما تجسد لوجهة من الحضور الإلهي. إذا نظرنا لله بهرميته العليا، نجد أن الله يدخل في الخليقة من خلال ثلاث وظائف، في وظيفة الخلق، في الإسلام، نسمي الله بالخالق، ويسمى في الديانة المسيحية بالآب الضابط الكل خالق السموات والأرض، وهو براهما في الحكمة الفيدية، وفي وظيفة المحافظة على الخليقة، في القرآن الكريم ورد هذا الدور بالـ "وكيل" فالله يخلق الكون ويكون عليه وكيلاً، وفي المسيحية يطلقون عليه "الرب أبن الله" الذي من خلاله يوجه الله البشرية في الطريق الصحيح، وفي الفيدا هو "فيشنوا" الذي يتجسد كي ينير ظلمة الجهل وعذاب البشر. أما في وظيفة الإفناء نسمي الله بالمميت الذي بمشيئته يموت كل مخلوق، فهو يميت فينا الخطيئة من أجل الوصول إلى الحياة الأبدية، وهو الروح القدس والرب المحي، في الديانة المسيحية، كما هو شيفا المدمر، في الحكمة الفيدية.

لا تنحصر الرسالة الإلهية من خلال التجسد الإلهي فحسب، بل قد يكون هناك ظروفاً لا تستدعي الحضور الإلهي مباشرة، فيصطفي الله أحد المقربين الأتقياء، وينعم بنوره في قلب الشخص المصطفى ويرفعه إلى أعلى مراتب الوعي البشري الذي يقارب الوعي الإلهي، ويجعله رسولاً ينطق باسمه. يكون الدور الأساسي للرسول في كشف الأسلوب أو الطريقة الواجب اعتمادها لتحقيق ما دعا إليه الأنبياء من أجل وصول البشر إلى غاية سبب وجودهم، أي إلى الحياة في الجنة على الأرض. وهكذا نرى أن التنزيل الذي يعبّر عن الذات الإلهية يأتي مع النبي والتفسير الذي يعبّر عن الفعل الإلهي يأتي مع الرسول.

وعي التشاندس

إن نوعية الوعي التي تظهر بتفتح التشاندس هي رسم الصورة المنسجمة مع الواقع للنبوة التي أُنزلت. كلمة تشاندس تعني: "الذي يحجب"، والحجاب هو همزة الوصل بين الحقيقة وأسلوبها من جهة، والمفاهيم التي يستطيع بها الناس أن يفهموا الرسالة الإلهية من جهة أخرى. وهكذا يكون الدور الإلهي بإعطاء الصفة التي يفهمها الناس لمعرفته المطلقة قد أنجز. بعد أن يكون الله قد أرسل الرسول وأنهى له دوره، يتفتح وعي التشاندس. يعم مناخ وعي التشاندس ويلتقطه المقربون بالله، ويبدءوا بوضع الأسس التي تؤل إلى تحقيق ما ورد في نبوة ألأنبياء وما فسره وأثبته الرسول. وهكذا تكون الانطلاقة الجديدة للمفاهيم الجديدة التي أنزلها الله على البشرية. ويكون عمل الله قد تم في إعطاء رسالة جديدة إلى البشرية. بالتنزيل يأتي الأنبياء، وللتفسير يأتي الرسول وبالتأويل توضع الأسس التي تؤل إلى أن يحقق البشر غايتهم ويتخلصون من الجهل والعذاب والمعانات التي أوجبت التدخل الإلهي.

رسالة جديدة للحقيقة الواحدة

إن حقيقة الوجود هي واحدة في كل زمان ومكان، وكما ناقشنا سابقاً، إن الزمان سحيق جداً ولا يمكننا أن نستوعبه ضمن مقدرات طاقتنا العقلية، وكذلك المكان، فلا يستطيع تخيلنا العقلي أن يحدد معالم جغرافية الكون. هل يعقل أن لا يوجد بشراً آخرون في هذا الكون الفسيح وهذا الزمان السحيق، ربما يختلفون عنا في الشكل، ولكن لا بد أنهم يبحثون عن حقيقة الوجود مثلما نبحث نحن. أو هل ينحصر اهتمام الله ببشر الكرة الأرضية فقط. ليس هذا فحسب، بل وفي هذا الزمن السحيق، ألم يرسل الله رسلاً من قبل التاريخ الذي نعرفه، ونحن نعلم أن عمر الأرض يقاس بملايين السنين. وهل يعقل أن لا يرسل الله لنا في المستقبل رسلاً آخرين كي يرشدوا البشرية في ضلال الطريق. أو هل نستطيع أن نجزم أن تفسيرات الديانات المتبعة على الكرة الأرضية، هي جميعها صحيحة؟ إذا كانت هذه التفسيرات للديانات المختلفة كلها صحيحة، لماذا توجد أذاً هذه التعددية للديانات، ولماذا توجد كل هذه المذاهب والشيع في الديانة الواحدة. لماذا لا يعيش الإنسان بحالة من السعادة والفرح كما تعد الديانات جميعها بذلك؟ إن الله هو رحمن رحيم، فيه كل صفات المحبة والكرم والعطف، سوف ينعم علينا، وعلى مر الدهر، برسائله المتكررة وبالطريقة المناسبة، كي يبقى الإنسان ممجداً لله. سيكون ذلك كلما أوشك نور المعرفة أن ينطفئ، وكلما أصبحت الديانات تدعو الإنسان إلى أن يقبل بالمعاناة وتبرر له أن العذاب والانتحار والموت هي من أجل الخلاص!


Back السابق Home المدخل Up فوق