المعرفة - الجزء الثالث
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
المعرفة - الجزء الأول
المعرفة - الجزء الثاني
المعرفة - الجزء الثالث
المعرفة - الجزء الرابع

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

المعرفة الذاتية

في حديثنا عن العلوم الدينية التي أتت بالاختبارات الذاتية، لا بد أن نحلل النظرة العلمية لهذه المعرفة. لقد ذكرنا في الفصول السابقة من هذا الكتاب، أن العصر العلمي قد ابتدأ من أجل التحقق من ماهية الوجود للتوصل إلى مصدر الوجود وكيفية ظهوره واستمراره وزواله. وقد استخدم العلم المقاربة الموضوعية التي تتطلب البراهين الحسية والإثبات. لكن وبالرغم من ذلك، لم يستطع العلم أن يفصل بشكل كامل بين غرض الاختبار والعالم الذي يختبره. إن رجل العلم هو الذي عليه أن يشرح نتيجة اختباره، وبشرحه للنتيجة لا بد أن يستخدم قدراته العقلية والحسية، وكل هذه القدرات تحركها نفسه المرتبطة بفرديته الذاتية، فهو ينظر من منظاره الخاص، لذلك نرى أن الاكتشاف الذي يقوم به عالم معين قد يرفضه عالم آخر. إذاً لا بد للعالم أن يستخدم بعض الأدوات من ذاتيته كي يعبّر عن موضوعية اكتشافه، وهكذا لا بد من إدخال أدوات التعرّف الذاتية في مجال البحث العلمي الموضوعي. من هذا المنطلق، يقبل العلم بوسائل التعرّف الذاتية من أجل إكمال البحث العلمي الموضوعي.

في استخدام وسائل التعرف الذاتية، هناك تفاوت في المقدرة العقلية بين عالم وعالم آخر. ويعود ذلك لتطور مستوى الوعي عند كل منهما. إذا تحلى العالم بمستوى أعلى من الوعي يستطيع أن يستخدم مقدراته العقلية بشكل أوسع. وهنا لا بد من تطوير المقدرة الإدراكية عند العالم كي يصل إلى المستويات الأعلى من الوعي التي تسمح له أن يكتشف عمق موضوع اختباره. وهكذا كلما ارتفع مستوى الوعي عند العالم كلما استطاع أن يستخدم الأدوات الذاتية من عقله وبالتالي يستطيع أن يختبر المستويات الأعمق لموضوع اختياره. هكذا نرى أهمية استخدام وسائل المعرفة الذاتية في البحث العلمي الموضوعي.

إن المعرفة الذاتية هي ما يستطيع الإنسان أن يدركه من أعماق ذاته، هناك مبدأ يقول أن المعرفة راسخة في الوعي. كما يحتوي الحمض النووي على المعلومات الكاملة عن حقل الفسيولوجي الفردي، كذلك تحتوي الذات الفردية أي روح الفرد على المعلومات الكاملة عن وجود الفرد، وبما أن الروح هي أساس الجسم، تكون المعلومات الكاملة للوجود هي أساس الحقل المادي، وبتفتح المعلومات الكاملة للوجود عند الفرد يدرك بذلك جميع قوانين الطبيعة في داخل وعيه، ويربطها بواقع وجوده ويعمل بها ضمن متطلبات حياته. لقد أدرك الأنبياء والرسل الحكمة الإلهية بالمعرفة الذاتية، وقد نقلوا تلك الحكمة التي أدركوها إلى الشعب فيما حولهم، وكان ذلك حسب ما اقتضت الظروف، وتماشياً مع ما ينقص المجتمع من معرفة.

مراتب الرسل

عندما نرى الحضور الإلهي في الخليقة، وتغلغله في كل جزء من أجزاء المادة، نفهم أهمية الأشخاص المرسلين من أجل هداية البشر. عندما تقارب الظلمة إلى أن تطمر النور، يتدخل القانون الإلهي ويضخ المعرفة في الوعي البشري. يتعامل الله مع الإنسان من المستوى البشري كي يستطيع الإنسان أن يفهم ما يريد الله منه. فلنعطي مثالاً على ذلك: عندما يداعب شخصاً ما طفلاً صغيراً ويحاول التخاطب معه، يجد نفس يتكلم ويتفوه بألفاظ مشابهة لما يتفوه بها الطفل الصغير. لا ينقص هذا الأمر من قيمة الرجل الذي يخاطب الطفل الصغير، لقد اعتمد الرجل الأسلوب الذي به يستطيع الطفل الصغير أن يفهم. وهكذا عندما يريد الله أن يتفاعل مع خليقته، يستخدم الأسلوب الذي به تفهم الخليقة الرسالة الإلهية. وطبقاً للحاجة يرسل الله رسله وينزل عليهم القدر الكافي من المعرفة كي تكمل ما ينقص في الوعي الجماعي. ويعيد الحقيقة إلى كمالها. لذلك هناك عدة مستويات للتدخل الإلهي.

يبدأ التدخل الإلهي من رجل الدين الذي ينطق باسم الله الحق. هناك الكثير من رجال الدين، ودور رجل الدين هو أن ينير طريق الجماعة الذين يتبعونه، على رجل الدين أن يكون متنوراً بالنور الإلهي من أجل أن يحقق هدف الله في نشر نور الحقيقة لجماعته، عليه أن يعرف الطريق ويعرف وسيلة الوصول ويعرف الهدف. أما إذا فقد رجل الدين معرفته للعناصر الثلاثة الأساسية؛ الطريق ووسيلة الوصول والهدف، يفقد صفته التمثيلية لله، ولا يحق له أن ينطق باسمه.

إضافة إلى رجال الدين، يكون التدخل الإلهي من خلال الحكماء والقديسين وأيضاً العلماء الذين يعطون البشرية كل ما يكون مفيداً لمساعدتهم على الحياة بهناء وسعادة.

أما عند ضياع المعرفة إلى حدٍ يصبح من الضروري انبثاقها من جديد، فيكون التدخّل الإلهي بشكل أكبر وأوضح، وتتم عملية كشف المعرفة الإلهية بثلاث مراحل وهي التنزيل والتفسير والتأويل. هنا لا بد من العودة للتذكير بأن العمل الإلهي في الخليقة يكون دوماً ضمن ثلاثة وظائف. فلنعود إلى مبدأ ثلاثية السامهيتا: الريشي والديفاتا والتشاندس، التي تمثل الوظائف الثلاثية للعمل الإلهي.

وعي الريشي

إن نوعية الوعي التي تظهر بتفتح الريشي هي رؤية الحقيقة. عندما يتطلب الوضع أن يكشف الله ما أضاع البشر من الحقيقة الإلهية، تبدأ العملية بأن يُنزل الله الحقيقة الضائعة على من هم الأقرب إليه روحياً. يحدث ذلك بشكل منهجي، فيعم مناخ من الوعي بنوعية الريشي، أي الرؤية أو النبوة، على البشر أجمعين. يلتقط المقربون من الله هذا المناخ من نوعية وعي الريشي، فيتفتح وعيهم على هذه النوعية، ويصبحون قادرين على رؤية ما ينقص البشر من معرفة في حياتهم، ويبدءوا بإنباء الناس بما رؤوا. نحن نعلم أن المؤمنين هم كثر، ولكن قلة هم المقربون، والمقربون هم بمراتب من القربة، وقد يكون واحداً هو الأكثر قربة. يتحسس الجميع بالمناخ الذي يحل على البشرية، ولكن بنسب متفاوتة، والشخص الأقرب إلى الله هو الذي يدرك الكمية الأكبر من المعرفة، فيعلوا فوق جميع المقربين الآخرين، ويلعب دور النبي الحقيقي. لذلك قيل بأنه سوف يأتي أنبياء كذبة، وهنا يقصد بالأنبياء الكذبة أولئك المقربين برتب متدنية والذين تحسسوا بمناخ وعي الريشي والذين رؤوا جزء من الحقيقة بسبب تدني مقدرتهم الإدراكية، وتكلموا عما رؤوا وكان كلامهم ناقصاً. وهكذا نرى أن عملية تنزيل المعرفة الضائعة تكون بتفتح وعي الريشي وبظهور نبياً ينطق بما رأى.


Back السابق Home المدخل Up فوق Next التالي