الطاقة الإلهية
نتكلم دوماً عن الطاقة الإلهية، ولكن كيف علينا أن نفهم الطاقة الإلهية؟
أولاً، علينا أن ندرك أن الوجود هو طبقات متداخلة في بعضها بشكل حلقات لكل حلقة
دورة كاملة ومتكاملة. كما يشكل الإنسان بوجوده دورة كاملة ومتكاملة، فهو يولد
ويستطيع أي يعطي طفلاً جديداً، إنه ينمو ويتكاثر، كذلك تنمو المخلوقات الأخرى بما
فيها المخلوقات التي لا نستطيع رأيتها بالعين المجردة، وتلك التي هي خارج نطاق
مقدرة الإنسان الإدراكية. يقول العلم أن الإنسان لا يستطيع أن يرى سوى واحد في
المليار من ظواهر الوجود. وما ينطبق على المخلوقات ينطبق أيضاً على كل الكائنات،
كما يشكل الإنسان وحدة وجودية متكاملة، يشكل الحيوان وحدة وجودية متكاملة، وأيضاً
النبات، كذلك تشكل الكرة الأرضية، بمن فيها وما فيها، وحدة وجودية متكاملة. وما
ينطبق على الأرض، ينطبق أيضاً على الكواكب الأخرى بما فيها الشمس والقمر. ومجموع
الكواكب ومعهم الشمس التي يدورون حولها، يشكلون المجرة، والمجرة أيضاً تشكل وحدة
وجودية متكاملة، وليس ذلك فحسب، بل تتجمع المجرات بمجموعات محورية وتشكل بدورها
وحدة وجودية متكاملة، هكذا تكبر الحلقات كي تصل إلى الحلقة الأكبر التي تضم الكون
كله، والتي لا يمكن أن تكون سوى الحلقة غير المحدودة في الكبر. وهكذا تكون الطاقة
الإلهية الظاهرة مساوية لمجموع طاقات كل الكائنات في الوجود، من الحلقة غير
المحدودة في الكبر إلى الحلقة غير المحدودة في الصغر.
روح الله موجودة في الكل
إذا كان مجال الطاقة الإلهية يتراوح من الأكبر من أكبر الموجودات إلى الأصغر من
أصغر الموجودات، فهي إذاً متواجدة في كل شيء، وتتواجد كما تتواجد البذرة في كل ثمر.
إن الطاقة الإلهية هي روح الخليقة كلها هي الروح الواحدة للوجود، ولكن هذه الروح
الواحدة والتي تتحلى بالمقدرة على كل الإمكانية، تستطيع أن تعطي أنواعاً متعددة من
أشكال الوجود، ويتم ذلك بإعطاء نبضة معينة من نبضات الروح الواحدة، فتعطي هذه
النبضة شكلاً معيناً من الوجود، وهكذا لكل نبضة معينة شكلاً معيناً، وبهذا العمل
تظهر التعددية غير المحدودة للوجود أجمع.
إن الروح الفردية هي ومضة من الروح الكونية، روح الله الواحدة. وعلى الروح الفردية
أن تحقق هدفها بالعودة إلى طبيعتها الكونية. تماماً كما يتوجب على البذرة التي تم
زرعها في التراب، أن تعطي بذرة جديدة. إن البذرة المزروعة لا تستطيع التوجه بشكل
تراجعي، ولا تستطيع أن تعيد تكوين نفسها بإلغاء عملية الزرع وإلغاء تفاعلها في
التراب، فهي مرغمة على السير في الاتجاه التقدمي الذي يظهرها في الوجود بشكل الشجرة
التي سوف تعطي البذرة من جديد. وهكذا عندما تبدأ عملية التفاعل للطاقة الإلهية في
حالة عدم الظهور، لا تستطيع الطاقة الإلهية أو روح الله، أن تعكس أو تلغي عملية
التفاعل، فتدفعها طبيعتها إلى الظهور في المادة. وبظهورها في المادة ومن أجل أن
تعود الروح الإلهية إلى كمالها، عليها أن تدفع المادة إلى التطور والوصول إلى
الكمال من أجل أن تستطيع المادة أن تعكس الروح الإلهية من جديد. هذا هو الهدف
الحقيقي للوجود. الوجود الفردي
لقد شرحنا في فصل التكوين عن مراحل عملية الظهور
المادي، ولكن فلنسلط الضوء هنا على الوجود الفردي. مع تفاعل الروح الإلهية في
البدء، تتحول الطاقة وتندفع إلى الظهور في المادة، فتبدأ بظهور العقل الكوني والأنا
الكونية ومن ثم الغريزة وصولاً إلى عناصر المادة الخمس. هذا ما شرحنا عن كيفية ظهور
الكون. أما في عملية وجود الفرد، فيتم اعتماد المراحل ذاتها للتكوين، لذلك قيل أن
الفرد هو كون صغير.
تبدأ مراحل الظهور الفردي انطلاقاً من الومضة المنبثقة عن الروح الإلهي، التي عليها
أن تتحول لتأخذ شكلاً مادياً، هذه الومضة المنطلقة من الروح الإلهي عليها أن تمر
بجميع مراحل الوجود كي تعود إلى طبيعتها الأصلية قبل أن تنفصل عن الروح الإلهية.
فلنسمي الومضة المنبثقة عن الروح الإلهية، بالروح الفردية. في علوم الفيدا إن الروح
الإلهية هي "براهم" والروح الفردية هي "آتما". تنطلق الروح الفردية من الروح
الإلهية كي تجول في كل مراحل الوجود من أجل أن تعود لتدخل في حقل الروح الإلهية. في
ظهورها في المادة، تعكس الروح الفردية نسخة عن نفسها نسميها النفس، أي "جيفا" في
العلوم الفيدية. تعمل الروح في الجسم من خلال النفس، فالنفس تحرّك العقل بكل مراحله
من الأنا إلى المشاعر إلى المنطق إلى الذهن إلى تحسس الحواس الخمسة إلى الجسم كله.
لا تستطيع الروح الفردية أن تعود إلى حقل الروح الإلهية إلا إذا امتلكت الصفات
المطابقة للروح الإلهية. فهي عليها أن تترك المادة وتزيل كل أثر يربطها بالوجود كي
تستطيع العودة إلى جنة الخلد في الروح الإلهية.
|