بداية الزمن

من أجل تحديد نقطة انطلاق الزمن فلنحلل ماذا يحتوي سؤالنا أولاً: "متى ابتدأ الزمن؟" كلمة متى كما هي واردة في السؤال، تعني الاستفسار لتحديد بداية عملٍ ما بالارتباط عن معيار معين نستطيع أن نفهمه، والمعيار هنا مرتبط مع المقاييس الزمنية التي نعرفها ونعيش في ضمنها.

نحن في الواقع نقيس الزمن بعدد السنين وهي بدورها تعتمد على دوران الأرض حول الشمس. فقد أظهرت الدراسات العلمية الكلاسيكية أن الأرض تدور حول الشمس دورة كاملة مرة كل ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع اليوم. إضافة إلى التقويم الشمسي، هنا أيضاً التقويم القمري، ويتم احتساب ذلك بدوران القمر حول الأرض. وتحتاج الأرض كي تدور حول الشمس إلى أثني عشر شهراً قمرياً وأحدى عشر يوماً ونصف اليوم. لقد تم اعتماد التقويم القمري من قبل العديد من الشعوب والحضارات القديمة، وكانت السنة القمرية تتكون من 12 شهراً قمرياً أما في السنة الكبيس أي السنة الرابعة فتكون 13 شهراً قمرياً، ولا تزال بعض الديانات تعتمد هذا التقويم القمري حتى اليوم وخاصة في المعتقدات الشرقية ومنا اليهودية والمسيحيين الشرقيين. إلا أن العرب ومع بداية الإسلام قد حذفوا الشهر الثالث عشر في السنة الرابعة، وبهذا أصبح السنة تتألف من 354 يوماً حسب التقويم العربي بعد الإسلام والذي حذف التعديل بإضافة شهر كل أربعة سنوات.

بعد هذا الشرح عن كيفية قياس الزمن، يمكننا الآن وضع السؤال في صيغة أخرى ونقول، منذ كم سنة بدأ الزمن؟ أي ما هو عدد المرات التي دارت بها الأرض حول الشمس منذ بداية الزمن؟

عندما نعرض المسألة من هذه الزاوية، ونحاول معرفة بداية ما نحن فيه الآن باستخدام أدوات الحاضر من أجل استحضار الماضي، علينا أن نمتلك معرفة التتابع الوجودي لما نريد التعرف إليه. في سردنا لمراحل التكوين في الفصل السابق، نرى أن ذلك كله قد حدث مع بداية ظهور العناصر الخمسة المكونة للمادة. وهذا يعني أن مراحل التكوين قد حدثت قبل ظهور المادة وبالتالي قبل ظهور الشمس والأرض، والتي بهما نريد أن نحدد عدد المرات التي دارت بها الأرض حول الشمس. إذا سلمنا جدلاً بذلك سوف يكون من المؤكد أن الرقم الذي سوف نحصل عليه هو أكثر بكثير من عدد المرات الفعلي التي بها دارت الأرض حول الشمس. أي سوف نستمر بالتعداد لما قبل ظهور الشمس والأرض. وهكذا نكون قد قمنا بتعداد افتراضي لما هو ليس موجود فعلاً.