الهيكلية الإلهية الجزء الثالث
 

  الشبكة العالمية موقع الإشراق

 

Home المدخل
Up فوق
الهيكلية الإلهية الجزء الأول
الهيكلية الإلهية الجزء الثاني
الهيكلية الإلهية الجزء الثالث

اشترك في مجلة الإشراق

انتساب
إلغاء الانتساب

صمم هذا الموقع

نظرة جديدة لعلم الفيدا القديم

لقد تعمق بعض العلماء البارزين في العلم الحديث، في دراسة علوم الفيدا، واستطاعوا أن يظهروا التركيبة البنيوية للفيدا، ووجدوا أن جميع الكتب الفيدية المتعددة والمتوسعة هي ليست سوى الشرح التفصيلي على مراحل تفتح الوعي من حالة الهمود إلى حالة الصحوة التامة. هذا التفتح الذي حدث منذ بداية الكون يحدث يوماً مع عملية دوران الطبيعة في حلقات الولادة والحياة والموت. كما تحدث عملية الخلق والمحافظة والموت يومياً في خلايا الجسم، والتي تشابه تلك العملية الثلاثية التي حدثت في بداية الخلق الكوني، كذلك تحدث يومياً عملية تفتح الوعي من حالة الهمود إلى حالة الصحوة.

وجد هؤلاء العلماء أن هذه الكتب الفيدية هي ليست سوى التعبير التفصيلي عن مراحل الوعي في تفتحه للوصل إلى كماله. تقول الفيدا أنه مع بداية الظهور تحولت أحادية السامهيتا إلى ثلاثية الريشي والديفاتا والتشاندس، وهذه الثلاثية هي ليست سوى الأوجه الثلاثة للأحادية، وهي ترسم الأحادية على شكل مثلث متوازي الأطراف، كل طرف منه يكشف عن وجه من أوجه الوعي.

السامهيتا هي الحقل الإلهي في حالة عدم الظهور الذي يكون فيها الوعي غير نابض وغير فاعل. قبل ظهور الكون كان الله كياناً وحيداً أحداً منفرداً ليس معه شيء وليس له شيء.

عندما استيقظ الوعي في السامهيتا أخذ ثلاثة أوجه من الوعي وتسمى الريشي أي الذات والديفاتا أي الفعل والتشاندس أي الانعكاس. فلنأخذ مثالاً على ذلك: لنفترض وجود شخص ما وحيداً منفرداً يسبح في الفضاء ولا يوجد حوله شيئاً، وكان هذا الشخص يغط في النوم، ومن ثم استيقظ. ماذا يستطيع هذا الشخص أن يدرك عندئذ؟ عندما يكون هذا الشخص وحيداً، وعندما يستيقظ، لا يستطيع أن يدرك سوى ذاته، وتحدث عملية الإدراك بثلاثة عناصر وهي: الشخص النائم، أي الذات، وعملية الإدراك أي الفعل، ومن ثم الغرض الذي أدركه، أي جسده، والجسد هو انعكاس عن ذاته. هذه هي ثلاثية بداية الوجود عندما عقل العقل ذاته.  

ولكن هذا التفاعل عاد وتكرر، فبعد أن عرف الوعي الأحادي أوجهه الثلاثية، عاد إلى ذاته إلى أحاديته ومن ثم انطلق من جديد، ولكن هذه المرة من خلال الأوجه الثلاثة وليس من الأحادية. وكما أن الواحد نظر إلى نفسه وعاد، نظرت الأوجه الثلاثة للوعي إلى بعضها البعض، فنظرت الوجهة الواحدة للوجهتين الأخيرتين، وبذلك ظهرت ستة أوجه جديدة للوعي. واستمرت العملية لستة مراحل متتالية حتى اكتملت. وبذلك تم تفتح الوعي من خلال 40 وجهة مختلفة.

إعادة صياغة الفيدا

هذا ما قدمته علوم الفيدا، ولكن هذه المعرف بقية موضوع جدل لعصور طويلة، إلى أن أتى حكيم عظيم وكشف الهيكلية البنيوية للمعرفة الفيدي ونظمها بعد أن كانت مبعثرة، هذا الحكيم هو مهاريشي ماهش يوغي الذي أطلق تقنية شهيرة ومثبتة علمياً من أجل تفتح الوعي عند الفرد والمجتمع، وهذه التقنية هي تقنية التأمل التجاوزي. بعد أن كشف مهاريشي أسس الفيدا التقى مع العلماء الذي استخدموا المقاربات الذاتية للعلم وأهمهم الدكتور جون هكلن الذي عمل على إيجاد نظرية دستور الكون في العام 1992، والبروفسور طوني أبو ناضر صاحب الاكتشاف الرائع الذي أعطى تغير جذري للمفاهيم العلمية والبشرية، والذي استطاع أن يربط الفيدا بأقسامها وأجزاء أقسامها مع  الفسيولوجي البشرية في العام 1994. وكان هذا الاكتشاف هو البرهان عن الكشف الكامل للقانون الطبيعي، الذي هو نطاق العمل الإلهي في المادة. مع هذا الاكتشاف يمكننا القول بأن الشعب المؤمن الذي فقد ثقته بالنظريات الدينية منذ حوالي 500 سنة، والذي توجه للبحث عن الله بوسائل من خارج الإطار الإيماني، قد توصل إلى ما كان يبحث عنه بإخلاص. وهنا يمكننا القول بأن العلم قد توصل كشف الوجود الإلهي. 

الله يعمل بالثلاثية

بعد كل هذا الشرح المسهب عن تفاعل الكائن الأزلي وعملية تفتح الوعي وظهور الخليقة المادية، فلنعيد شرح بعض النقاط الأساسية: عندما نقول أن الأحادية قد تفاعلت وظهرت منها الثلاثية، نكون نرسم الصورة الأول للعمل الإلهي، فعندما يشاء الله أن يظهر الكون، يأخذ الله دور الخالق، وبما أن عملية الخلق هي استمرار دائم مادام الوجود موجوداً، يستمر الله في عملية الخلق، ومن أجل أن تستمر الخليقة في الوجود، يكون الله عليها وكيلاً ويوجه مسارها التطوري، فبعد عملية الخلق تكون عملية الحفاظ على استمرارية الوجود فيأخذ الله دور المحافظ على الخليقة، ومن أجل استمرارية الوجود لا بد من إزالة ما هو قد يعيق هذه الاستمرارية، وهنا يكون لله دوراً في تدمير ما قد تلف في خليقته، هذه هي النواحي الثلاثية لدور الله في الخليقة. وفي عمله الثلاثي يبقى الله واحداً أحد منزهاً عن أي عمل. تتطابق هذه الأدوار مع جميع التعاليم الدينية في عمقها. فالله هو الخالق الذي يخلق الكون كما يخلق الخلايا يومياً في أجسادنا، والله هو الحافظ الذي يجعل الوجود مستمراً بنظام كوني دقيق، تماما كما يحافظ جهاز المناعة في الجسم على صحة الإنسان، والله هو الذي يزيل من طريقه كل ما يؤخر عمله في الخليقة كما يزيل نظام الجسم الخلايا الميتة من جسدنا الصغير. وهذا يتطابق مع ما يرد في الديانات الشرقية التي تقول أن براهمان أي الله عندما يوجد الخليقة يكون براهما الخالق الذي يخلق الوجود، ويكون فيشنوا الذي يحافظ على استمرارية الوجود وفيشنوا هو الوعي الإلهي الذي يتجسد كي ينير طريق البشرية من ظلمة الضياع، والله هو شيفا المدمر الذي يدمر الخطيئة من أجل إعادة الخليقة إلى الحياة الأبدية. وهذا ينطبق مع الديانات السماوية أيضاً، التي تؤمن بإله الواحد الأحد وهو ألآب الضابط الكل خالق السموات والأرض، وبالرب الواحد الذي تجسد في الأرض من أجل هداية البشرية، وكذلك تـؤمن بالروح المقدس الذي هو الرب المحي، الذي يزيل الخطيئة من البشر كي يعطيهم الحياة الأبدية. هذا هو العمل الإلهي في الخليقة كما هي متطابقة مع تعاليم التوراة اليهودية وتعاليم الكنيسة المسيحية وتعاليم القرآن الكريم، فهو الخالق والمتوكل والمميت. 

الوجود يعمل ضمن ثلاثية الله

إن معرفتنا لهذا السر الإلهي هو ما يساعدنا على الفهم الوظيفي للوجود، فكما خلق الله الوجود بوظائف ثلاثية، كذلك ترتكز الخليقة كلها على هذه الوظائف الثلاثية. عندما نقوم بعمل معين، نحن نعمل ضمن الثلاثية، هناك الفاعل أي أنا، والفعل أي الطريقة التي أعمل بها، والغرض أي الشيء الذي أفعله. إن هذه الثلاثية للفاعل والفعل والمفعول به، أو العارف ووسيلة التعرف والمعروف، هي القانون الأساسي لقوانين الطبيعة. وبالرغم من أن الإنسان قد أضاع دور الله في كل ما يفعل، إلا أنه لا يستطيع أن يقوم بأي شيء في الحياة من خارج إطار النظام الإلهي. حتى أن الخطيئة التي يقوم بها الإنسان هي أيضاً ضمن إطار النظام الإلهي الذي يعمل بمبدأ الفعل وردة الفعل.


Back السابق Home المدخل Up فوق