المقاربات العلمية
إن كل ما نسرد هنا هو من أجل أن نفهم المنطق الذي يتعامل به إنسان هذا
العصر، الذي يبحث دوماً عن الإثباتات الحسّية، وأيضاً من أجل أن نحدد
الأسلوب الذي به سوف ننطلق في تحليل الدور الإلهي بهدف الوصول لكشف
صورة الله. لذلك علينا أن نبدأ بنفس الطريقة التي يعمل بها العلم
الحديث، أي العلم الموضوعي.
لقد توصلت العلوم الحديثة إلى كشف العديد من قوانين الطبيعة التي تنظم
عملية الوجود. وتعمقت هذه العلوم في اكتشافات المستويات العميقة من
المادة، وبالرغم من أن الوسائل وأدوات الاختبار العلمي تكون عائقاً في
كشف المستويات غير الظاهرة للمادة، إلا أن العلماء استطاعوا أن يكشفوا
الوظائف الرئيسية لعمل القانون الطبيعي. وهذا الكشف العلمي قد اقترب
كثيراً إلى الوصول إلى مصادر الوجود المادي، ولكنه بقي عاجزاً عن تجاوز
النطاق الظاهر للمادة، إذ أن التجاوز إلى ما وراء المادة يتطلب أدوات
تسمح للباحث أن يقوم بهذا التجاوز. لذلك كان لا بد من الخروج عن
المبادئ العلمية التقليدية، وخاصة الخروج عن مبدأ المقاربة الموضوعية
في البحث العلمي، واعتماد المقاربة الذاتية لمتابعة اكتشاف ما يعجز عن
اكتشافه العلم الحديث بمقاربته الموضوعية التي تعزل الباحث عن غرض
بحثه. وبدمج المقاربة الموضوعية مع المقاربة الذاتية وجد العلماء الذين
اعتمدوا الأسلوب الجديد في البحث، أنفسهم أمام تراث كبير من المعلومات
التي تدون المعرفة الذاتية، ويشمل هذا التراث جميع الفلسفات والمعتقدات
بما فيها الكتب الدينية القديمة والحديثة. لكن هذا التطور في المقاربات
العلمية لم يحظى بتوافق جميع الجهات العلمية.
نظرية دستور الكون
إلا أن الباحثين الذين اعتمدوا المقاربة الذاتية، إضافة لاعتماد
المقاربة العلمية الموضوعية، استطاعوا أن يكشفوا حقائق عميقة لم تتوصل
العلوم التقليدية الموضوعية من كشفها. وأهم هذه الاكتشافات ما يعرف
بنظرية دستور الكون التي تظهر بشكل مفصّل المراحل الدقيقة لتحول الطاقة
الكونية الإلهية من حالة الهمود التام والفناء التام إلى الظهور في
مادة حية وذكية ومتفاعلة. وقد تم ربط هذا الاكتشاف مع بعض المفاهيم
الدينية. ومع اكتشاف العمل الأول لله في الخليقة، واكتشاف النبرة
الصوتية الأولى في الخليقة، تم تفسير المفهوم المسيحي القائل: "في
البدء كانت الكلمة". تكشف نظرية دستور الكون المراحل المتتابعة لظهور
المادة من حقل الطاقة غير الظاهر، وكان الربط واضحاً وجميلاً بين
نظريات فيزياء الكم الحديثة والمفاهيم القديمة وخاصة مفاهيم المعرفة
الفيدية.
إن المعرفة الفيدية هي أقدم العلوم في التاريخ البشري، يعود وجودها إلى
أكثر من خمسة وعشرون ألف سنة، وهي تشمل عدد كبير من الكتب المفصل
والمبوبة ضمن عدد محدد من الأبواب لكل بابٍ منها دور معين في حياة
البشر، منها كتب التطور الروحاني وكتب الأناشيد والترانيم وكتب للصحة
وكتب لعلوم الفلك وعلوم البناء وعلوم اللغة والقواعد وعلوم الحرب وعلوم
الموسيقى والقوانين الاجتماعية والتقاليد وغيرها من العلوم. وبما أن
هذه المعرفة الفيدية هي الأغنى من حيث المعلومات، اجتذبت معظم العلماء
الذين اعتمدوا المقاربة الذاتية في بحثهم بالإضافة إلى اعتمادهم
للمقاربة الموضوعية العلمية.
وقد تبع اكتشاف دستور الكون الرائع اكتشافاً آخر يفوقه بالوضوح والدقة
ويظهر هذا الاكتشاف الجديد كيفية عمل القانون الطبيعي في الوجود من
خلال كشف النواحي الوظيفية لأقسام الدماغ وأعضاء الجسم، وترابطها بشكل
تطابقي فائق من ناحية التعداد والوظيفة لأجزاء العلم الفيدي القديم
وأجزاء أجزائه المتشعبة، هذا العلم الذي يعود إلى أكثر من خمسة وعشرين
ألف سنة، والذي يدوّن الإيحاءات التي أنزلت على الرائين العظماء في
السلالة الفيدية.
كتب الفيدا القديمة
تدوّن كتب الفيدا المعرفة الدقيقة عن الوجود وتتألف من أربعين جزء
رئيسي، وهذه الأجزاء تتشكل من قاعدة تعكس كيفية ظهور ثلاثية الوعي من
أحاديته المطلقة، التي تعرف بأحادية السامهيتا، والتي تظهر بثلاثية
الوعي التي تعرف بالريشي والديفاتا والتشندس. بعد ظهور النواحي الأربعة
للوعي يليها مباشرة ستة تفاعلات لثلاثية الريشي والديفاتا والتشندس
تعمل بشكل مرتد، أي من الريشي إلى الديفاتا والريشي إلى التشاندس، ومن
ثم من الديفاتا إلى الريشي والديفاتا إلى التشاندس، يليها من التشاندس
إلى الريشي والتشاندس إلى الديفاتا. وهكذا تتكرر العملية من تفاعل
الثلاثية لستة مرات فتكوّن ستة وثلاثون ناحية تفاعلية للوعي، يضاف
إليها التفاعلات الأربعة الرئيسية ما يعطينا أربعون ناحية للعلم
الفيدي.

ومع اكتمال هذه النواحي للوعي تكون جميع قوانين الطبيعة قد اكتملت. إن
هذه النواحي الأربعين لظهور الوعي هي ما تدونه الكتب الفيدية. لقد أدرك
الراءون الفيديون في وعيهم كل هذه التفاعلات للوعي، وتغنوا بوصفها
ولقّنوها وعلّموها لأتباعهم، وتناقلوها عبر التعليم الشخصي من جيل إلى
جيل، وحفظوها عن ظهر قلب إلى أن وصلت إلى أحد الحكماء المشهورين الملقب
"فيدا فياسا" وهذا اللقب يعني مقسّم الفيدا، أي الشخص الذي يدوّن
الفيدا ويقسمها إلى أجزائها التفصيلية. |