وسيلة علمية للخلاص
بعد أن عرضنا في المقالات السابقة الاكتشافات
العلمية وتطابقها الكبير مع العلوم الدينية، وبعدما استطاعت الفئات
العلمية في الدخول في أعماق الذات والمستويات الروحية، وإظهار حاجة
النفس البشرية للتحرر من الضغوط والانطباعات وبالتالي أعطى العلم
التفسير الواضح لحاجة الإنسان في الصلاة والتعبّد. بقي على العلم أن
يجد الوسيلة الصحيحة لتحقيق غاية الحياة في التحرر النفسي من
الانطباعات، أي التخلص من الخطيئة كما يرد في التعاليم الدينية.
البحث عن الوسيلة لاختبار السكينة

منذ حوالي خمسين سنة تجري التيارات العليمة
الدراسات المتعمقة عن جميع التقنيات المعروفة للتطور النفسي والروحي،
بما في ذلك الممارسات الدينية في كل الأديان الحديثة (المعروفة
بالأديان السماوية) والأديان القديمة في شرق آسيا. وجد العلم العديد من
الطرق والممارسات التي تختلف كثيراً عن بعضها البعض. في الديانة
المسيحية هناك أكثر من 372 طريقة مختلفة في الممارسات والطقوس الدينية،
وفي الإسلام هناك 78 طريقة وفي اليهودية أيضاً كذلك، أما في الديانات
القديمة هناك طرق مختلفة تعد بالآلاف، إضافة إلى الممارسات الحديثة مثل
اليوغا وتقنيات التنفس وتقنيات التركيز والتأمل. وفي ظل هذا العدد
الكبير من الطرق والممارسات والتقنية وجد العلم أن هذه الطرق جميعها
تصنف بفئتين أساسية، منهم من يعتمد التركيز ومنهم من يعتمد التبصر أو
التمعن.
تقنيات التركيز
في تقنيات التركيز يضع الممارس لهذه التقنيات غرض
ما في مجال عقله الواعي ويركز كل انتباهه عليه لأطول مدة ممكنة. مثال
على ذلك أن يستخدم صورة أو كلمة أو صفة أو شمعة أو أي غرض آخر. في
عملية التركيز يحشر الإنسان عقله الواعي في نقطة واحدة. وهذا يتطلب جهد
من الإنسان في أن يمنع العقل الواعي من أن يشرد عن الغرض الذي يركّز
عليه. إن طبيعة العقل تتطلب التركيز خلال عمل الإنسان، فالإنسان يركز
على عمله كي ينجز العمل بشكل صحيح. وبالتالي لا يمكن أن يكون التركيز
وسيلة من أجل إحداث موجة ساكنة على مستوى النفس. ربما تكون تقنيات
التركيز قد أتت بهدف الوصول إلى حالة عدم الحركة العقلية، التي كان من
المعتقد أنها ستعطي الراحة النفسية أو السكون النفسي. ولكن الدراسات
العلمية لم تستطع تأكيد ذلك.
تقنيات التبصر
أما تقنيات التبصر أو تحليل المعاني، فهي في أن
يفكّر الإنسان بموضوع معين أو كلمة أو جملة أو عبارة من كتاب مقدّس أو
أي كلمة أخرى، ويدخل في تحليل المعنى لما يفكر به. في تقنيات التبصر لا
يحشر الإنسان عقله الواعي في نقطة واحدة، بل يجعله يسرح في المعاني،
وبالتالي يظل العقل الواعي متنابضاً في المستويات العقلية، ولكنه لا
يستطيع الوصول إلى حالة السكون التي تسمح للعقل أن يتجاوز نشاطه
الفكري، ويختبر السكون النفسي.
الوصول إلى حالة الهمود
هكذا نجد أن معظم الطرق والأساليب المعتمدة في جميع
أنحاء العالم وجميع الديانات، لم تعطي الإنسان القدرة على تحقيق هدفه
الأسمى وهو في أن تصل النفس البشرية إلى حالة من الاستقرار التام. أي
بلغة العلم إلى حالة الهمود التام. في علم الفيزياء يقولون أن الرابط
بين الحقل النسبي والحقل المطلقة هو ما يعرف بالكوارك، وهو العنصر الذي
يعطي البروتون ليكون نواة الذرة، هذا الكورك هو ليست سوى موجة تتنابض
كي تصل إلى سرعة فائقة وعند بلوغها أقصى مجال من السرعة تعطي أو
بروتون. هذه الموجة وكل موجة أخرى تنطلق من السكون ومن ثم تبدأ
بالتنابض إلى أن تصل إلى سرعتها الأقصى. يعتبر العلماء أنه بواسطة
الكورك يمكن الانتقال من الحقل النسبي المتفاعل إلى الحقل المطلق
الساكن. أما على صعيد الإنسان، فيجب أن نجد ما له صفات مثل الكورك أي
أن يكون متفاعلاً من جهة وساكناً من جهة أخرى، وبعد البحث لم يجد العلم
سوى "الصوت" الذي يكون ساكناً من جهة ومتفاعلاً من جهة أخرى. يستطيع
الإنسان أن يستخدم صوتاً معيناً كي يأخذ عقله الواعي من المستويات
السطحية إلى مستوى السكون، وبالتالي يحدث ما نسميه الموجة الساكنة على
المستوى النفسي الأمر الذي يساعد على إزالة الانطباعات النفسية.
تقنية جديدة مثبتة علمياً
وهنا تقدم العالم الهندي المعروف عالمية بعرض
تقنيته الحديثة على المراجع العلمية، والتي يقول أنها تستطيع أن تأخذ
العقل الواعي إلى اختبار حالة من التسامي التي تعطي السكون المطلق،
وقال مهاريشي أن تقنية لا تعتمد على أسلوب التركيز أو أسلوب التبصر، بل
هي تعتمد على طبيعة العقل في الاستقرار في الحقل غير المحدود من الوعي
الصافي الموجود في داخل كل إنسان. مهاريشي الحائز على الماجستير في
الرياضيات والفيزياء، تتلمذ على يد معلم عظيم في الهند اسمه غورو ديف
سوامي برهمناندا ودرس منه علوم الفيدا لمدة ثلاثة عشر سنة، هو واضع
التقنية المعروفة عالمياً وهي تقنية التأمل التجاوزي. وقد عمل مع
مهاريشي عدد من العلماء وأسس عدة مراكز للدراسات العلمية وجامعات حول
العالم. وهذه المؤسسات تضع المناهج التطبيقية لعلوم مهاريشي الفيدية
بما في ذلك برنامج التأمل التجاوزي.
تقنية فريدة تعطي حالة السكون
لقد أجر العديد من العلماء الأبحاث حول تقنية
التأمل التجاوزي، بات هؤلاء العلماء يعتبرون أن تقنية التأمل التجاوزي
هي التقنية الفريدة التي تسمح للعقل الواعي في أن يختبر الحقل التجاوزي
- الوعي الصافي - في حين أن التقنيات الأخرى تعطي حالة من الاسترخاء
والراحة. عندما يصل الإنسان إلى حالة السكون في التأمل
التجاوزي، يستطيع أن يتخلص من الانطباعات والضغوط النفسية. ويتم اعتماد
هذه التقنية في المناهج التعليمية في عدد كبير من المدارس حول العالم،
كما يتم اعتمادها كتقنية للوقاية والعلاج من الأمراض، وتعتمد من قبل
المؤسسات التجارية كبرنامج لتنمية قدرات الموظفين والعمال، وتستخدم
أيضاً في عدد كبير من برامج إعادة التأهيل لمصابي الحروب والمساجين
والمدمنين على المخدرات والكحول، وعلاوة على ذلك تستخدم في مجموعات
لخلق التماسك في الوعي الجماعي في البلد وخلق المنعة التي لا تقهر لكل
وطن وللعالم ككل. كما يصرح عدد من رجال الدين من الديانات المختلفة أن
ممارسة هذه التقنية تساعدهم على التعمّق أكثر في صلواتهم وتقربهم من
الله.
وبذلك نختم هذه السلسلة من المقالات حول التلاقي
بين العلم والدين الأمر الذي يفتح لنا المجال في تحديث حياتنا
ومعتقداتنا الدينية بشكل يجعلنا قادرين على تحقيق غاية الإنسان وغاية
كل دين والعيش في الجنة على الأرض.
|