يولد الإنسان في هذا الكون وهو مغمض العينين لا يدرك ولا يعقل لأي شيء
حوله. وفي ربيع حياته عندما يبدأ وعيه في التفتّح كما تتفتّح براعم
أزهار الأشجار في فصل الربيع، ترتسم أمامه أسئلة كبيرة وكثيرة عن حياته
وعن سبب وجوده وعن مصيره، وعن مَن خلقه وكيف خلقه وأين هو موجود، عن
شكل خالقه وصفاته ومقدرته، وغير ذلك من الأسئلة التي لا تزال البشرية،
ومع مرور مئات آلاف السنين، تبحث عنها وتحاول أن تفهمها ضمن مجال العقل
البشري.
وقد كثر الكلام والتفسير لوصف هذا الكائن الذي منه وجدت هذه الخليقة
المترامية غير المتناهية بنظام عمل ذكي ودقيق، يعطيها ديمومة أزلية ضمن
أمواج مستمرة من التغيير.
عندما يصف الإنسان هذا الكائن الذي لا يعرفه، والذي إذا عرفه يذهب إلى
مقامه الذي منه لا رجوع، هذا الإنسان لا يمكن أي يصفه بالكامل، بل
يلبسه صفات مما توصل إليه عقله أن يدرك. ومع تزايد تفتّح وعي الإنسان
تتزايد صفات هذا الكيان، منهم من وصفه بالشمولي، أي الذي يضم كل شيء
ضمن نطاقه، ومنهم من وصفه بالكلي، أي الذي هو كل شيء، ومنهم من وصفه
بالعظيم، أي الذي هو أعظم من كل شيء، ومنهم من وصفه بالرحمن، أي الذي
هو أرحم من الكل، ومنهم من وصفه بالنظام الكلي، أي العقل الكوني الذي
به يتطور هذا الكون ويتمدّد، ومنهم من لا ينسب إليه أي صفة، فقيل عنه
أنه "اللا" صفة له (الله).
وبالرغم من كل ذلك، ومن طبيعة تفتّح الوعي، وفي كل جيل هناك محاولات
جديدة لعلّ هذا الإنسان يستطيع أن يعرف صفات ذاك الكيان.
وأسطر هذا الفصل الأول من هذا الكتاب هي ليس إلا ترجمة تفاعل مشاعر
داخلية لاختبارات ذاتية مجبولة مع معرفة علمية لمستويات متنوعة لتفتّح
الوعي، ولطبقات مختلفة للوجود. إن هذه الأسطر هي وصف للكيان الأزلي
متكلماً بذاته. |