|
|
الإعتاق
الكامل
|
|
قال أرْجونا:
|
1
|
كلمني يا سيد كْريشْنا
عن مغزى السَنْياسا ومغزى التْياغا[1].
|
|
قال الرب المبارك:
|
2
|
إن التخلي عن الأعمال
الأنانية المنجزة رغبةً بمردود منها، يسمى السَنْياسا، الزهد؛ أما التنازل عن
مردود كل عمل يسمى التْياغا، الاستسلام[2].
|
|
بعضهم يقول بأنه من
المتوجب التخلي عن كل الأعمال مثلما نتخلى عن الشر؛ أما البعض الآخر فيقول إنه
يتوجب عدم التخلي عن الأعمال مثل التضحيات والهبات والتقشف.
|
3
|
أسمع حقيقة ما أقوله
عن التخلي عن العمل يا أرْجونا، إن التخلي، يا أفضل الرجال، هو ثلاثة أنواع.
|
4
|
يجب عدم التخلي عن
أعمال التضحيات والهبات والتقشف، بل بالعكس يجب أن تقام فعلاً، ذلك لأنها أعمال
تعطي نقاء الحكمة.
|
5
|
ولكن حتى هذه الأعمال
يا أرْجونا، يجب أن تقام دون تعلّق ودون توقع لمردود منها. هذا هو رأيي الأكيد.
|
6
|
إنه من الخطأ عدم
القيام بما هو واجبٌ مقدّس. إن التخلي عن ذلك بسبب الجهل هو من ضلال الطمس.
|
7
|
ومن يترك عملاً خوفاً
من الألم أو التعب الجسدي، يكون تخلّيه عنه غير صافٍ، ومن الرجس، وفي الحقيقة لن
يكون له مردود سماوي.
|
8
|
ولكن من يقوم بالواجب
المقدّس، فقط لأنه من المتوجب فعله يا أرْجونا ، ويتخلى عن الأنانية وفكرة
المردود، يكون عمله صافياً، من الساتفا.
|
9
|
الزاهد الحكيم،
الممتلئ بالساتفا، المتفهم بثبات والذي تبددت شكوكه، يستسلم بصفاء وسلام، لا
يكره العمل المتعب ولا يتعلق بالعمل الممتع.
|
10
|
يستحيل أن يوجد
إنساناً على هذه الأرض قادراً على التخلي كلياً عن حياة العمل، ولكن من يتخلى
حقاً عن مردود عمله هو حقاً رجل الزهد.
|
11
|
الأنواع الثلاثة
لثمار العمل؛ المتعة، والألم، وكليهما معاً في الوقت ذاته؛ تتراكم بعد الوفاة
على الذي لم يزهد، ولكن رجل الزهد
لا يتراكم عليه شيء.
|
12
|
أعرف مني الآن يا أرْجونا،
عن المسببات الخمسة لتحقيق كل الأعمال كما تم شرحها في معرفة السَانْكْيا، والتي
فيها توجد نهاية كل الأعمال:
|
13
|
الجسم، الأنا الصغرى،
حواس الإدراك، أعضاء العمل، والعناية السماوية.
هذه هي المسببات الخمسة.
|
14
|
إن كل ما يفعله
الإنسان، أكان جيداً أو سيئاً، بالتفكير أو التكلم أو العمل، له هذه المصادر
الخمسة للعمل.
|
15
|
إن من يعتقد أن ذاته
اللامحدودة هي التي تقوم بالعمل المحدود التي تنجزه الطبيعة، يكون نظره محجوب
ولا يرى الحقيقة.
|
16
|
إن من يتحرّر من قيود
الأنانية، ومتحرّر عقله من أي نيّة سيئة، حتى ولو قتل كل هؤلاء المحاربين، يبقى
متحرّراً كأنه لم يقتل أحداً.
|
17
|
في فكرة العمل يوجد
العارف والتعرّف والمعروف، وفي تنفيذ الفكرة يوجد الفاعل والفعل والمفعول به.
|
18
|
المعرفة والفعل
والفاعل يقال عنها في علم الغونات أنها من ثلاثة أنواع حسب صفاتها. أسمع عن ذلك
الآن.
|
19
|
إن من يرى العنصر
الأبدي في كل الكائنات، واحد في كل تنوعها، يملك المعرفة الصافية، الساتفا.
|
20
|
لكن من يرى التنوع
مقسم بأشكال مختلفة، تكون معرفته غير صافية، من الرجس.
|
21
|
ومن يرى بأنانيته
شيئاً وكأنه كل شيء، منفصلاً عن الأحد وعن الكثرة، كما يرى أن جسده هو كل شيء،
هو جاهل، في الطمس.
|
22
|
عندما يُنجز العمل
كعمل مقدّس، ودون تشوّق أو كره، ومن شخص غير راغب بمردود، وخال من التعلق،
عندئذٍ يكون العمل صافياً، من الساتفا.
|
23
|
ولكن عندما ينجز
العمل برغبة أنانية، أو بالشعور أنه جهد، أو بالتفكير أنه تضحية، يكون عملٌ غير
صافٍ، من الرجس.
|
24
|
أما العمل المنجز
بعقل مضطرب، دون الأخذ بعين الاعتبار لعواقبه وخسائره من طاقة ومال، وأذيته
للآخرين، ومقدرة فاعله على القيام به، يكون عمل الجهل من الطمس.
|
25
|
أما الفاعل المتحرّر
من قيود التعلّق، والمتحرّر من الأنانية، ومن عنده التصميم والمثابرة، وفي
استقرار عقله ولا يتأثر بالنجاح أو الفشل، هو في صفاء الساتفا.
|
26
|
ولكن الفاعل الذي
يكون عبداً لأهوائه، ويعمل لأهداف أنانية، جَشِعٌ وعنيفٌ وغير طاهر، وينفعل
باللذة والألم، هو في الرجس غير نقي.
|
27
|
أما الفاعل الذي
يفتقد إلى التناغم الذاتي، الفظّ، والمتعجرف، والمخادع، والحقود، والكسول،
والمكتئب، وأيضا المماطل، فهو في ظلمة الطمس.
|
28
|
أصغ الآن إلى
المميزات الثلاث للعقل والمثابرة طبقاً للغونات الثلاث، سأشرحها لك بالكامل
وبالتفصيل.
|
29
|
العقل الذي يدرك طريق
العمل وطريق الزهد، العمل الصحيح والعمل الخاطئ، الخوف وعدم الخوف، القيود
والتحرّر، هذا العقل هو في الساتفا.
|
30
|
العقل المضطرب في فهم
الدْهَرْما وما هو عكسها، وأيضاً مضطرب في فهم العمل الصحيح وما هو عكسه، هذا
العقل هو في الرجس.
|
31
|
أما العقل المغمور
بالظلمة، يعتبر ما هو ليس بواجب واجباً، والخطأ صواباً، وبه تُنظر الأشياء على
غير حقيقتها، هذا العقل هو في الطمس.
|
32
|
الثبات الذي به ينتظم
العقل والنفس والحواس، يا أرجونا، هذا الثبات الذي، وبممارسة اليوغا،
لا يتزعزع، هذا الثبات هو من الساتفا.
|
33
|
ولكن الثبات الذي به
ينسجم العقل مع الدْهَرْما، والرغبة والثروة متعلق بثمار كلٍ منها، هذا الثبات
هو من الرجس.
|
34
|
أما الثبات الذي به
لا يتخلى الأحمق عن الكسل والخوف والرثاء للذات والانهيار والتشوق، هذا الثبات
هو من الطمس.
|
35
|
أسمع الآن يا أرْجونا
العظيم، عن الأنواع الثلاثة للسعادة التي يتعلم الفرد أن يتمتع بها بتعوده
عليها، والتي بها يصل إلى نهاية كل ألم.
|
36
|
تلك التي تبدو كالسم
في البداية، وتكون
الإكسير في النهاية. هذه السعادة هي من الساتفا، إنها تنبع من شفافية العقل
نتيجة لتحقيق الذات الكلية.
|
37
|
وتلك التي تنبع من
تشوّق الحواس لمدركاتها، والتي تبدو كالإكسير في البداية، لكنها تكون في النهاية
كالسم.
هذه السعادة هي من الرجس.
|
38
|
أما تلك السعادة التي
في بدايتها ونهايتها هي ضلال للذات، والتي تأتي من خمول النوم والكسل والإهمال،
هذه السعادة هي من الطمس.
|
39
|
لا يوجد أي شيء على
الأرض أو في السماء بين الآلهة، يكون خارج نطاق هذه القوى الثلاث للطبيعة.
|
40
|
إن أعمال البَرَاهِمَة
والكْشَاتْرِيا والفاسْيا والسودْرا
هي مختلفة، لكنها منسجمة مع القوى الثلاث في الطبيعة.
|
41
|
التحكم والاتزان
الذاتي، التقشف، الصفاء، التسامح المحب والاستقامة، الثبات بالذات والمعرفة
والإيمان؛ هذه هي واجبات البَرَاهِمَة المولودة من طبيعتهم.
|
42
|
البطولة، الحضور،
الثبات، الدهاء، الشجاعة في المعركة، الكرم، والقيادة النبيلة؛ هذه هي واجبات الكْشَاتْرِيا
المولودة من طبيعتهم.
|
43
|
التجارة والزراعة،
رعاية المواشي، هي أعمال الفاسْيا المولودة من طبيعتهم. أما أعمال الخدمة فهي
واجبات السودْرا المولودة من طبيعتهم.
|
44
|
يصلون جميعاً إلى
الاكتمال عندما يكرسون عملهم لواجباتهم في أعمالهم. إن من يقوم بواجبه الخاص به،
يصل إلى الاكتمال، هذا ما أقوله لك.
|
45
|
عندما يكون العمل
تكريماً إلى الله الذي منه وجد كل
شيء وهو في كل شيء، يصل الإنسان إلى الاكتمال.
|
46
|
الأفضل أن يقوم الفرد
بالدْهرْما التي تخصّه، حتى وإن لم تكن كاملة، من أن يقوم على أكمل وجه بالدْهرْما
التي تخص غيره. من يقوم بالعمل الذي خُلق من أجله، يكون عمله بلا خطيئة.
|
47
|
على الإنسان أن لا
يتخلى عن الواجب الذي ولد من أجله، حتى ولو أنجز بالشر؛
لأن كل تعهد هو مغلف بالشر، كما هي النار مغلفة بالدخان.
|
48
|
من يتحرّر عقله من
الروابط، وذاته ثابتة، متجاوزٌ للرغبات، وبتخليه عن كل عمل يصل إلى المستوى
الأسمى ويكون متحرراً من كل عمل، مثل الذات الكلية التي لا تعمل أبداً.
|
49
|
اسمع إلى ما سأوجزه
لك يا أرجونا، كيف يصل الإنسان إلى بْرَهْمان، إلى التكثيف السامي للمعرفة،
عندما يحقق الكمال.
|
50
|
عند وضوح رؤية
المنطق، وفي ثبات الذات بالأحادية، وعندما يزول التعلّق بمدركات الحواس، وتترفع
الذات فوق الشهوة والكره؛
|
51
|
وعندما يثبت الإنسان
بفردية السكون، ويأكل قليلاً، ويضبط كلامه وجسده وعقله، ويمارس دوماً التأمل
والتركيز، وليس عنده
شغف لأي شيء؛
|
52
|
وعندما ترحل عنه صفات
الأنانية والعنف والتكبّر والتشوّق والغضب والجشع، ومتحرراً من فكرة التملّك،
عندئذٍ يكون قد ترفّع إلى أعلى القمم؛ يستحق أن يكون واحداً مع بْرَهْمان.
|
53
|
يصبح بْرَهْمان، من
يكون عقله في سكون وسلام، مترفع فوق الحزن والرغبة، محبته واحدة لكل المخلوقات،
يصل إلى التعبد الأسمى، إليّ[12].
|
54
|
بالتعبّد يعرفني
حقاً، يعرف من أنا وما هو مقامي. وعندما يعرفني حقاً يدخل إلى كياني.
|
55
|
وباتكاله عليّ في
قيامه بشتى أنواع الأعمال، يصل بنعمتي إلى البيت الأبدي الذي لا يفنى.
|
56
|
قدّم كل أعمالك لي
بكل عقلك وكل قلبك، وأنظر إلي كهدفك الأعلى، التجئ إلى بودهي يوغا
وبذلك ثبّت عقلك عليّ دوماً.
|
57
|
وبتثبيت عقلك عليّ،
ستتغلب على كافة الأخطار بنعمتي، لكن إذا لم تسمع كلامي بسبب غرورك، سوف تهلك
وتضيع.
|
58
|
إذا لم تحارب في
معركتك في الحياة بسبب أنانيتك خوفاً من المعركة، يكون قرارك فارغاً، لأن طبيعتك
سترغمك على ذلك.
|
59
|
لأنك مقيّد في رباط الكارما،
يا أرجونا، المولودة من طبيعتك؛ وهذا الذي ترفض القيام به بسبب ضلالك، سوف تقوم
به رغماً عن إرادتك.
|
60
|
إن الله مقيم في كل
الكائنات يا أرْجونا، وفي قلبك أيضاً. وبقوته يحرك كل الأشياء، مثل الدمى
المتحركة، دافعاً لها دوماً إلى الأمام في مجرى الزمن.
|
61
|
التجئ إليه بكل
اندفاع من أجل خلاصك، أيها الرجل المنتصر. إذ بنعمته سوف تنال السلام الأسمى
بيتك الأبدي.
|
62
|
بذلك أكون قد كشفت لك
الحكمة الأكثر سرية من كل الأسرار، فكّر ملياً في سكون ذاتك، وافعل ما تشاء.
|
63
|
أصغي مرة أخرى إلى
كلمتي السامية، سرّ السكون العميق. لأني أحبك كثيراً سأكلمك عن ما هو خير لك.
|
64
|
هبني عقلك، وهبني
قلبك، وتضحيتك، وإخلاصك. وكلمة وعدٍ أقولها لك، ستأتي إليّ حقاً لأنك عزيز عليّ.
|
65
|
اترك كل شيء ورائك،
وتعالى إليّ أنا وحدي، من أجل خلاصك. سأجعلك متحرّراً من رباط كل الخطايا، لا
تخف، ولا تحزن.
|
66
|
لا تقل هذه الكلمات
أبداً لغير المتقشف وغير المتعبد، ولمن لا يريد أن يسمع أو لمن يجادل ضدّي.
|
67
|
من يُعلّم هذه
التعاليم السرية العميقة، ويظهر تعبده الأسمى لي، هو حقاً سيأتي إليّ.
|
68
|
لا يمكن أن يوجد بين
كل الناس من يقوم بعمل أعظم من عمله لي، ولا يوجد رجلٌ آخر أعز عليّ منه على
الأرض.
|
69
|
إن من يتعلّم بتمعّن
كلمات حديثنا المقدسة هذه، يدرك نور الذات. هذه هي حقيقتي.
|
70
|
وكذلك من يستمع فقط
وبإيمان، ولا يوجد شك في قلبه، يصل إلى التحرّر وإلى عوالم الفرح للرجال
الصالحين.
|
71
|
هل سمعت هذه الكلمات
يا أرْجونا في سكون ذاتك؟ هل تبدّدت ظلمة ضلالك، يا دهانتنجايا؟
|
72
|
قال أرْجونا:
|
73
|
لقد رحلت عني
الأضاليل، وبنعمتك استرجعت ذاكرتي.
إن إيماني ثابت وشكوكي قد زالت. سوف أفعل ما تشاء.
|
|
قال سنجايا:
|
74
|
عندما سمعت هذا
الحوار الرائع بين أرْجونا العظيم وكْريشْنا إله الكل، امتلأت ذاتي بالروعة
والدهشة والعجب.
|
|
بنعمة فياسا الحكيم
سمعت كلمات سر السكون هذه، سمعت خفايا اليوغا مباشرة من كْريشْنا، رب اليوغا،
يدلي بها بنفسه.
|
75
|
كلما أتذكّر يا
أيها الملك، هذا الحوار الرائع المقدّس بين كْريشنْا وأرْجونا، ترتعش ذاتي
بالفرح مراراً وتكراراً.
|
76
|
وكلما أتذكر هذا
التجلي الكوني العظيم لإله الكل، مرة أخرى يملأ الفرح ذاتي وأبتهج أيضاً مراراً
وتكرارً.
|
77
|
أينما يكون كْريشْنا،
رب اليوغا، وأينما يكون أرْجونا سيد القوس، يوجد جمال وجاه وانتصار وفرح
واستقامة. هذا ما أؤمن به.
|
78
|
|
|