اكتشاف علمي يكشف الطاقة الكاملة للإنسان (8)

في سياق حديثنا في المقالة السابقة عن التصرف والسلوك الاجتماعي لا بد أن نتطرق إلى الحديث عن التواصل. لأن التواصل الجيد يؤدي إلى التفاهم الجيد ما يؤدي إلى راحة البال والطمأنينة والسلام. لكن ضعف التواصل يؤدي إلى سوء الفهم وسوء التفاهم الأمر الذي يؤدي إلى السجال والمناقشات التافهة والمشاكل وربما العراك والحروب.

يعتبر التواصل عنصراً حيوياً جداً في كلّ ميادين السعي البشري في عصرنا هذا، إنه لا يقل أهمية عن التربية والتعليم والرعاية والإدارة والدبلوماسية والتجارة والصناعة والحكومة والفنون وكلّ وجهة من أوجه المسعى البشري. في الحقيقة، ونظراً لأهميته الكبيرة، نسمي هذا العصر بعصر التواصل والاتصالات. لكن، وعلى الرغم من الانتشار الواسع لتكنولوجيا التواصل والاتصالات، إلا أن التواصل اليوم لم يتأسس على مبادئ عميقة من المعرفة. يستند التواصل الحالي على علم مجزأ وناقص. وهذه الحالة الناقصة للتواصل هي المسؤولة عن العديد من المشاكل والنزاع في العالم.

عندما نهيئ أنفسنا كي نتواصل مع الآخرين، نحن لا نعرف فيما إذا كانت حالتنا العقلية المرهقة ستؤدي إلى تواصل مفيد وبنّاء. ونحن لا نضمن تأثير كلامنا على الشخص الآخر، قد نقول كلاماً خاطئاً عن غير قصد، ما يمكن أن يؤدي إلى رد فعل معادٍ. أما التواصل القائم على الحقل الموحد فيستطيع أن يبدد كل هذه الحيرة في التواصل. إنه يضمن بشكل لا لبس فيه أنّ التواصل تطوّري، وأنّه ذات مغذى وذات هدف ومفيد للحياة.

ما هو التواصل القائم على الحقل الموحد؟

إن التواصل القائم على الحقل الموحد يستند على أحدث معرفة علمية التي هي اكتشاف الحقل الموحّد. لقد استطاع العلم الحديث وخلال السنوات الـخمسون الماضية أن يكتشف المستويات الأعمق للوجود، وبتقدم تدريجي كشف مستويات عمل الطبيعة والمستويات الدقيقة لذكاء الطبيعة، على مستوى الجزيئات ومستوى الذرّة والمستوى النووي وشبه النووي: التوحيد الكهرو-ضعيف، والتوحيد الكبير، وفي النهاية التوحيد الفائق، واكتشاف الحقل الموحّد، الذي يقال عنه أنه حقق حلم آينشتاين الدائم لاكتشاف المصدر الموحّد للكون المتنوّع.

إن اكتشاف الحقل الموحّد هو اكتشاف الذكاء الكوني، ذلك الذكاء التطوّري جداً الذي يحافظ ويسيّر الكون بأسره. والأكثر أهمية، إن هذا الحقل الموحّد للقانون الطبيعي له تطبيق علمي وعملي مباشر في حياتنا. وكما ذكرنا في المقالة الأولى، إنّ تطبيق الحقل الموحّد هو من خلال تقنيات الوعي. فالحقل الموحّد ليس خارج نطاق الاختبار البشري. إن الجهاز العصبي البشري والدماغ البشري له قدرة الوصول المباشر إلى الحقل الموحّد في الحالات الأكثر تطوّراً للوعي.

نوعان من التواصل

في تواصلنا مع الآخرين، هناك نوعان من التواصل، وتنحصر حياة الإنسان كلها بهذين النوعين، وهما: أ) التواصل من أجل تحقيق الحاجات والرغبات،  ب) التواصل نتيجة لتفاعلنا مع العالم الخارجي.

عندما نشعر بالحاجة إلى شيء ما، نبدأ بالعمل على تحقيق هذه الحاجة، ولكن الشعور بالحاجة هو الأمر الذي علينا أن نفهمه. كيف نحدد حاجاتنا، وهل هناك معيار ثابت ليحدد حاجات كل الناس. بالتأكيد لا يوجد معيار ثابت لذلك، فحاجات الولد الصغير لتملك الألعاب لا تستمر كما هي عندما يكبر، وحاجات الشخص العاقل تختلف كثيراً عن حاجات الشخص الجاهل، إن من يشعر بالحاجة إلى الكذب على الآخرين، مثلاً، يختلف كثيراً عن الشخص الصادق. والشخص الذي يحتاج إلى تعاطي المخدرات، يختلف كثيراً عن الشخص التقي. هكذا نرى أن تواصل هؤلاء الأشخاص مع بيئتهم يختلف بين الشخص والآخر. وأوجه الإخلاف في حاجات هؤلاء الأشخاص ناتجة على مستوى وعي كل فرد منهم. لذلك وكي يكون التواصل لتلبية حاجاتنا جيداً، علينا أن نعمل جاهدين على رفع مستوى وعينا أولاً. في الاكتشاف العلمي الذي يكشف الطاقة الكاملة للإنسان، يرد أن اختبار المستوى العميق في داخلنا عندما نأخذ عقلنا الواعي إلى مستوى الوعي الصافي، يؤدي حتماً إلى تطور الوعي الفردي.

أما في تفاعلنا مع العالم الخارجي، فكل تفاعل له علاقة وثيقة بحالة جهازنا العصبي فيما إذا كان مستريحاً ومستقراً أو كان مرهقاً أو قلقاً وممتلئاً بالضغوط والإجهاد. عندما يكون جهازنا العصبي مستريحاً نتواصل بإيجابية مع الآخرين، أما إذا كان جهازنا العصبي مرهقاً فنحن ننفعل بشكل سلبي وننفر في وجه من حولنا. لذلك من الضروري أن نتمتع بجهاز عصبي مستريح ومستقر كي يكون تواصلنا وتفاعلنا مع الآخرين سلساً ومفيداً وبناءً. وفي الاكتشاف العلمي يظهر أن الحقل الموحد هو حقل من الاستقرار والسكون، وعندما يصل العقل الواعي إلى هذا المستوى من السكون بواسطة تقنية التأمل التجاوزي، يكسب الجهاز العصبي والجسم راحة عميقة ما يجعل الجهاز العصبي قادراً على التخلص من التوتر والإجهاد Stress فيصبح الجهاز العصبي مستريحاً، وبذلك نضمن أن يكون تفاعلنا مع الآخرين سلساً ومفيداً.

هكذا نرى أن الخطوة الأولى في التواصل يجب أن تكون في تواصل العقل الواعي (الجزء الذي يستعمله الإنسان العادي من عقله) مع الوعي الصافي (الذي نختبره خلال ممارسة تقنية التأمل التجاوزي). هذا هو التواصل القائم على الحقل الموحد. عندما يكون هذا التواصل بلا قيود وبلا معيقات، يصبح كل تواصل خارجي (بين الإنسان ومحيطه) صحيحاً وصادقاً ومفيداً ومسانداً للحياة. 

   
Back Home Next Send Email to Your Friends